فينغر وآرسنال .. هل حان موعد الطلاق المؤلم ؟
تسعة عشر عاماً قضاها الفرنسي آرسين فينغر في تدريب الآرسنال، فهل حان موعد "الطلاق المؤلم" أم أن الأستاذ الفرنسي لازال في جعبته ما يقدمه لمدفعجية لندن؟
أحمد النفيلي
عندما أعلن مجلس إدارة الآرسنال عن تعاقده مع المدرب الفرنسي آرسين فينغر لتولي قيادة المدفعجية في أيلول/سبتمبر عام 1996 بدا القرار وكأنه كالزلزال الذي ضرب الكرة الإنكليزية والنادي اللندني العريق الذي أنشئ منذ 129 عاماً وتحديداً عام 1886، لعدة أسباب، فقد تمت الإطاحة بمدرب الفريق آنذاك بروس ريوتش قبل انطلاق موسم 1996/1997 بأسبوع واحد فقط، كما أنها كانت المرة الأولى التي يقود فيها الفريق القابع في شمال لندن مدرب مولود خارج الجزر البريطانية، إضافة إلى أن الآرسنال سعى وقتها للتعاقد مع اسم كبير في عالم التدريب ينتشل الفريق من عثراته الكثيرة في موسم 1995/1996 والذي كان يعد موسماً شديد الإحباط أنهاه المدفعجية في المركز الخامس على صعيد الدوري الممتاز بعد أن تلقوا 9 هزائم ودخل مرماهم 32 هدفاً، فيما ودعوا كأس الاتحاد الإنكليزي من الدور الثاني أما كأس الرابطة فتوقفت مسيرتهم خلاله عند الدور نصف النهائي.
قائمة كبيرة من المدربين تفاوضت معها إدارة الغانرز في مقدمتها الأسطورة يوهان كرويف والمدرب الإنكليزي الكبير تيري فينابلز إلا أن الاختيار وقع على الفرنسي فينغر الذي كان يبلغ من العمر 47 عاماً والذي اقتصرت سيرته الذاتية التدريبية على قيادة موناكو الفرنسي (1987-1994) قبل أن يتولى تدريب ناغويا غرامبوس الياباني لموسم واحد (1995-1996)، أما السبب الأخير للدهشة التي أصابت مجتمع الكرة في إنكلترا بشكل عام عند التعاقد مع فينغر فكانت التكلفة الباهظة لهذا التعاقد إذ حصل الفرنسي في أول عقوده مع الآرسنال والذي امتد لثلاث سنوات على 2 مليون جنيه إسترليني فأصبح بذلك أغلى مدرب في تاريخ الفريق والمدرب رقم 24 الذي تولى تدريبه منذ عام 1897.
بداية وألقاب
قاد فينغر ثورة حقيقية في مسيرة الآرسنال، ثورة أكدت بُعد نظر مجلس الإدارة، فقد أصبح المدفعجية في عهده أحد أقوى الأندية الإنكليزية فعلى الرغم من أن الموسم الأول له مع الفريق انتهى بدون أي ألقاب إلا أن ملامح تفوق الرجل وقدراته التدريبية بدأت وقتها في الظهور فقد قفز بالفريق من المركز الخامس إلى الثالث بعد أن حقق 19 انتصاراً مقابل 8 هزائم و11 تعادل.
انطلقت مسيرة الانتصارات مع "الأستاذ الفرنسي" وبدأت خزائن الآرسنال تستقبل ألقابه وكؤوسه الواحدة تلو الآخرى، فقد قاد الفريق للفوز بلقب الدوري موسم 1997-1998 بعد إنهائه للمسابقة في المركز الأول برصيد 78 بفارق نقطة واحدة فقط عن غريمه اللدود مانشستر يونايتد، كما حصل الفريق في الموسم ذاته على كأس الاتحاد الإنكليزي وتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة.
وحتى عام 2006 قاد فينغر مدفعجية لندن للفوز بلقب الدوري مرتين أخريين موسمي 2001-2002 و2003-2004 كما أحرز لقب كأس إنكلترا أربع مرات أعوام 1998 و2002 و2003 و2005، والدرع الخيرية أربع مرات أيضاً 1998 و1999 و2002 إضافة إلى 2004.
كما قاد فينغر الآرسنال للظهر لأول مرة في تاريخه في نهائي دوري الأبطال عام 2006 وكاد الفريق أن يخطف اللقب من برشلونة بيد أن كفة الكتيبة الكاتالونية ربحت في النهاية اللقب بالفوز بصعوبة 2-1.
تراجع المستوى والطموح
ومنذ هذه المباراة تحديداً يمكن القول إن أيام فينغر الخوالي في قلعة شمال لندن توقفت وحل محلها مواسم عجاف طويلة عجز فيها الفريق عن التتويج بأي لقب باستثناء لقبين للكاس والدرع الخيرية أحرزا في الموسمين الأخيرين "2013 -2014" و"2014-2015".
أصبحت أكثر طموحات رجال فينغر إنهاء مسابقة الدوري في المركز الرابع من أجل اللحاق بركب دوري الأبطال، كما بات من المعتاد أن تتوقف مسيرة آرسنال عند الدور ثمن النهائي في المسابقة الأوروبية الأم، وحتى في الموسم الماضي الذي حصل فيه الفريق على المركز الثالث في الدوري المحلي لم يخلف عادته وودع دوري الأبطال مبكرا من ثمن النهائي عقب خسارة كارثية أمام موناكو الفرنسي في لندن بثلاثية مقابل هدف.
الموسم الحالي بدا وأن شيئاً لم يتغير فالفريق اللندني يسير بشكل متذبذب في مسابقة الدوري يخسر من وست هام في ملعب الإمارات ثم يكتسح ليستر سيتي في عقر داره، ينهار أمام تشيلسي المتراجع ثم يُسقط مانشستر يونايتد بثلاثية تاريخية في عشرين دقيقة، أما الكارثة الحقيقية فكانت في دوري الأبطال التي تلقى فيها أبناء فينغر هزيمتين متتاليتين في أول مرحلتين من دور المجموعات من المسابقة، أمام دينامو زغرب في كرواتيا "2-1" ثم كانت الكارثة بسقوطه (2-3) أمام أولمبياكوس اليوناني في لندن، وفتحت المباراتان النار على فينغر بسبب استبعاده للعديد من اللاعبين الأساسيين خلالهما والدفع بآخرين بعيدين تماماً عن المباريات الرسمية منذ فترة طويلة وعلى رأسهم الحارس الكولمبي أوسبينا وهو ما دفع الكثيرين للتساؤول هل أصبح فينغر بمعزل عن المستوى الحقيقي للاعبيه، وهل أصاب الرجل الملل بعد الفترة الطويلة التي أمضاها على رأس الجهاز الفني، والسؤال الأهم .. هل حان موعد الرحيل؟.
الغريب والمثير أن أول من فتح النار على فينغر في الموسم الحالي هو مدرب آخر وضعه أسوأ بكثير من الأستاذ الفرنسي حالياً وهو جوزيه مورينيو الذي صرح قائلاً إن هناك مدرب واحد فقط لا يعمل تحت أي ضغط لأنه غير مطالب بتحقيق أي بطولة وبالطبع قصد مورينيو وقتها فينغر، وهو ما ألهب حماسة الكثير من محبي الفرنسي للدفاع عنه وفي مقدمتهم أسطورة الآرسنال وأيقونته أيان رايت الذي رد على مورينيو بعنف قائلاً : "فينغر لديه ما هو أثمن من بطولاتك" .
مهندس مرحلة الثراء
في الواقع فإن رايت لم يبالغ فقد نقل فينغر الآرسنال من فريق يعيش في أزمات مادية طاحنة في منتصف التسعينات إلى أحد أغنى الأندية العالمية حالياً فبحسب التصنيف الحالي لأكثر الأندية ثراءً في العالم يأتي آرسنال في المركز السابع بقيمة سوقية تخطت 1.3 مليار دولار وبدخل سنوي تخطى الـ 486 مليون دولار، وويمكن القول تحديداً إن فينغر كان مهندس الانتقال من مرحلة الهايبري إلى مرحلة الإمارات وذلك نسبة إلى ملعبي الآرسنال القديم والحديث.
والمثير أن الجميع داخل مجلس إدارة النادي العريق أصبح يتعامل مع فينغر حالياً على اعتبار أنه مستشاراً مالياً وجزءاً من هيئة إدارة النادي وليس مجرد مدرب للفريق، ولم لا وقد حول النادي إلى مؤسسة ربحية تدر عوائد ضخمة لمالكه أو بالأحرى مالك معظم أسهمه الملياردير الأميركي ستان كورينكي المستثمر في مجال المؤسسات الرياضية والمالك للعديد من الأندية الرياضية الأخرى أبرزها دينفر ناغتس المنافس في دوري كرة السلة الأميركي للمحترفين، والواضح أن الرجل سعيد جداً من أداء فينغر الذي يقاس دائماً داخل النادي بالأرقام والمدخول والربحية، فمنذ أن قام بالاستحواذ على نصيب الأسد في أسهم الفريق اللندني وإمبراطوريته الرياضية في اتساع وازدهار فالرجل يخطط حالياً لبناء استاد عملاق لكرة القدم الأميركية سيكون مخصص لفريق سانت لويس رامس الذي يمتلكه والواقع في ولاية ميسوري، ومن المتوقع أن يتكلف بناء الملعب العملاق 998 مليون دولار سيساهم كورينكي فيها بشكل مباشر بـ 250 مليون دولار، يقال إنها من عائداته المباشرة من أرباح آرسنال في السنوات الأخيرة.
تواجد مستمر بين الأربعة الكبار في البريمييرليغ .. تأهل دائم لدور المجموعات في دوري ابطال أوروبا .. اقتصاد مذهل يصل إلى درجة الشح أحياناً في الإنفاق في سوق الانتقالات .. تصعيد الكثير من اللاعبين المغمورين وتحويلهم إلى نجوم وبيع بعضهم بمبالغ كبيرة للأندية المنافسة، لهذه الأسباب تحديداً يعتقد الكثيرون أن فينغر استمر لـ19 عاماً مدرباً للآرسنال ولكن السؤال المُلح إلى متى ؟ّ! ، متى يتخذ الأستاذ الفرنسي القرار المؤلم بالتخلي عن منصبه ؟ متى يدرك ويسلم بأن كل شيء لها بداية لابد وأن تكون له نقطة نهاية محددة، هذا السؤال تحديداً الوحيد القادر على إجابته هو فينغر ذاته.
لقطات هامة
• تبلغ القيمة السوقية للاعبي الآرسنال مجتمعين حالياً 281.40 مليون جنيه إسترليني والفريق يأتي في المركز الثالث خلف تشيلسي "372.23" ومانشستر سيتي "336.60".
• أول عقد رعاية وقعه الآرسنال مع شركة "نايكي" الأميركية للملابس الرياضية كان عام 1994 وفي السنوات السبعة من عام (2007 وحتى 2014 ) حصل آرسنال على 8 مليون جنيه إسترليني في العام الواحد من الشركة الأميركية.
• آخر عقد رعاية وقعته إدارة الآرسنال مع شركة ملابس كان العقد الموقع العام الماضي مع شركة "بوما" الألمانية والبالغة قيمته 150 مليون جنيه استرليني يحصل عليها الفريق اللندني لمدة خمس سنوات بواقع 30 مليون في السنة الواحدة.
• أكثر الأندية إنفاقاً في موسم الانتقالات الصيفية الماضي كان مانشستر سيتي الذي دفع أكثر من 153 مليون جنيه إسترليني تكلفة التعاقد مع عدد من اللاعبين أبرزهم الإنكليزي رحيم ستيرلنغ والبلجيكي كيفين دي بروين.
• أنفق آرسنال في موسم الانتقالات الصيفية الماضي 10 مليون جنيه استرليني فقط مقابل التعاقد مع الحارس التشيكي المخضرم بيتر تشيك، وامتنع فينغر عن ضم أي لاعب آخر لصفوف الفريق على الرغم من أن إدارة النادي رصدت أكثر من 200 مليون جنيه إستريليني نظير للتعاقد مع لاعبين جدد وكانت حجة فينغر أنه لا يوجد لاعب حالياً يستحق الانضمام للآرسنال باستثناء تشيك.
• يبلغ عدد اللاعبين الأجانب في الآرسنال 18 لاعباً من أصل 24 لاعباً ومعدل أعمار كتيبة المدفعجية يبلغ 27.4 سنة والفريق في المركز العاشر على لائحة ترتيب الأندية الإنكليزية من حيث متوسط الأعمار، والأكبر هو فريق ستوك سيتي ( 28.8).
• فينغر هو المدرب رقم 24 الذي تولى مسؤولية تدريب الآرسنال وقاد الفريق حتى الآن 722 مباراة في الدوري الإنكليزي الممتاز فاز في 419 وتعادل في 177 وخسر في 126 مباراة وسجل الفريق تحت ولاياته 1358 هدفاً ودخل مرماه 683 هدفاً وجمع الفريق في عهده حتى الآن 1434 نقطة.