كوري.. أيقونة كرة السلة الجديدة
يتواصل مسلسل تألق ستيفن كوري وفريقه غولدن ستايت ووريزر حامل اللقب في الدوري الأميركي لكرة السلة، انطلاقا من اعتبارات فنية وتقنية عدّة جعلت من هذا اللاعب "بركاناً" يقذف حمماً من الأرقام القياسية.
صحيح أن راتب كوري الذي احتفل الاثنين بميلاده الثامن والعشرين، لا يتعدّى المرتبة الـ 67 (11.37 مليون دولار سنوياً) بين الرواتب الأعلى في هذه البطولة الثرية، لكن الأكيد أن هذا المبلغ سيتضاعف ثلاث مرّات على الأقل عند توقيعه عقداً جديداً، قياساً إلى إنجازاته و"استعراضاته" المثيرة.
لذا، لا عجب أن يتصدّر كوري آخر استفتاءات الشعبية بـ 1.6 مليون صوت من أصوات المعجبين، محافظاً على الموقع الأول للعام الثاني، ومتقدّماً على نجم كليفلاند كافالييرز ليبرون جيمس بفارق 600 ألف صوت، وقد كان الفارق بينهما 100 ألف صوت فقط في العام الماضي (1.5 مليون صوت لكوري مقابل 1.4 مليون صوت لجيمس).
هكذا بات اسم كوري "سلعة مربحة" تدرّ أموالاً طائلة، ويتقاطر ملايين في أنحاء العالم على اقتناء قمصان غولدن ستايت ووريزر التي تحمل اسمه. وما يساعد في هذا التفوّق وسائل التواصل الاجتماعي التي ألغت المسافات وفارق التوقيت، فأطلقت شهرة كوري في الشرق كما في الغرب.
وتتسابق مواقع لكرة السلة على نشر تفاصيل من سيرة كوري، وتُجمع على أن كثيرين لم يؤمنوا بموهبته قبل 4 سنوات، وأن دوراً مؤثّراً سيضطّلع به في تاريخ الدوري الأميركي للمحترفين، إذ أضحى ماكينة لتحطيم الأرقام.
لكن خلف هذه "الفورة" إصراراً من كوري نفسه على التطوّر والاجتهاد الإضافي "لتحقيق المفاجآت على عكس الرهانات"، فهو دائماً أول الواصلين إلى الملعب للتدريب وآخر مغادريه. وقد نجم عن ذلك فارق تقني كما يؤكّد زميله كلاي تومسون في غولدن ستايت، جازماً أن كوري "لا يكتفي بأن يكون جيّداً بل يريد دائماً أن يكون كبيراً".
ويُضيف المدرّب ستيف كيرمان على هذه الملاحظة، أن كوري يذكّره بعظماء أمثال مايكل جوردان وتيم دنكان ولاري بيرد، فما يقدّمه من "خوارق" وليد التمرين المكثّف والمتكرّر والإصرار على "ابتكار" كل جديد من دون أيّ حذر، وذلك "مردّه إلى الثقة بالنفس، وتأثّره بوالده دل الذي احترف 16 عاماً وأنهى مسيرته مع تورنتو رابتورز (1999-2002).
وفي رأي مدرّبه الشخصي براندون باين، تعكس أفعال كوري شخصيته وشغفه الدائم للتعلم والاكتساب، وإصراره على معرفة أدق التفاصيل التي تتحكّم بوظائف جسده وتفاعلاته الحركية.
وفي برامج الإعداد لكوري، يستوحي باين أفكاراً مما يعتمده الملاكم السابق فريدي روس في تحضيره للبطل الفيليبيني ماني باكياو. ويقارب في هذا الإطار بين "الرسوخ الذهني في اللعبتين"، وردّ الفعل التلقائي للدماغ، موضحاً أن نجم غولدن ستايت ووريزر ينفّذ تمارين لتحسين "ردّ الفعل وتحسين المدّة الفاصلة بين التفكير والتنفيذ".
ويوضح: "إنه عمل مضنٍ يرتكز على أجزاء الثانية الواحدة. ففي الملاكمة يتوجّب على الملاكم تفادي لكمة والردّ بأخرى خلال بُرهة قصيرة، وفي كرة السلة يُترجم ذلك من خلال كيفية الانقضاض على الكرة بلمح البصر لصدهّا أو التقاطها وتسديدها".
ويوغل باين في التفسير ليبرهن تفوّق كوري في هذا الإطار، مشيراً إلى أن "التحليل والتفكير قبل التصرّف خلال أي مباراة يبطئان الحركة. لذا لا بد من تدريبات ذهنية موازية للتعويض تتناغم مع رد فعلٍ سريع وناجح".
كما يُثني باين على تجاوب كوري وقابليته للتطوّر مقرونة بثقته المطلقة بنفسه، ما يجعله يحقّق ما لا يُقدم عليه الآخرون.
ويعدّ اختصاصيون كوري "نموذجاً حديثاً" للرياضي المتفوّق الذي تجاوز أبناء جيله في النضوج الفني - التقني، نظراً لما يمتلكه من مزايا استثنائية وقوّة بدنية وسرعة مقرونة بالشغف والاستمتاع في التدريب واللعب، ما يشكّل أسس توليفة مثالية ليكون أفضل لاعب. وهو يُقارن أحياناً بما هو عليه الصربي نوفاك دجوكوفيتش في كرة المضرب باعتبار أن قواسم مشتركة تجمع بينهما من ناحية الالتزام الميداني وتكريس الوقت والجهد للبروز ومواصلة التألق والاعتناء الدقيق بالتفاصيل.
لكن كوري "يتفوّق" على "أيقونة كرة المضرب الجديدة" بعرضٍ ساحر أكثر تجدّداً يحمل مفاجآت ممتعة على مدار الساعة، بخلاف "نولي" الذي يؤخذ عليه من قبل البعض إمعانه في "الأداء الميكانيكي المملّ" الذي ينشد من خلاله ضمان النتيجة قبل أي شيء آخر ليكرّس أفضليته المطلقة.