عن تجربتي في حضور كأس العالم للأندية... الجماهير تخطف الأضواء
ثلاثة أطراف عربية وطرف مكسيكي، مباراتان على ملعب يحمل الكثير من الذكريات القطرية والعربية وحتى العالمية، أمس السبت كان أحد الأيام الكروية المميزة في كأس العالم للأندية المقامة في قطر.
هُمام كدر - ستاد جاسم بن حمد نادي السد
جماهير الترجي الرائعة وجودة لاعبي الهلال
دخولي إلى ملعب جاسم بن حمد في نادي السد كان سلساً للغاية، فقد ركنت سيارتي بعيداً واستمتعت بالسير بين المشجعين نحو مدرجات الاستاد، وبالطقس المناسب للسير ولو لمدة نصف ساعة قبل صافرة البداية.
لكن قبل ذلك فاتني أن أروي لكم أني تصادفت مع عدد من جماهير الترجي، سواء تلك المقيمة في الدوحة أو التي جاءت خصيصاً خلف فريقها من تونس قبل أيام من الموعد المنتظر، وقد لفتتني ثقة هذه الأنصار بالبدري، وواتارا، وبن شريفية وبقية الرفاق، تحاورت مع البعض منهم، وقلت لهم إن الهلال زعيم آسيا فردّوا إن الترجي زعيم إفريقيا، كل ذلك كان يَعد بمباراة رفيعة التحدي بين منافسين عربيين يتباريان في موعد عالمي على أرض عربية.
اتخذتُ لنفسي زاوية هادئة، من هنا أستطيع الرؤية بشكل أفضل، جماهير الترجي لا تتوقف عن الغناء ولولا المفرقعات النارية لخلت لوحتهم من أي شوائب، كانت تلك المرة الأولى لي في رؤية جماهير فريق عربي إفريقي وجهاً لوجه على المدرجات، بدورهم أيضاً جماهير الهلال التي أعتدت إلى حد ما، أهازيجهم وإيقاعاتهم اللافتة وثقافتهم في التشجيع، غنوا لفريقهم ورفعوا الرايات الهلالية. وتفاعلوا مع أداء رفاق غوميس وخريبين... الذي كان بادياً أنه يتفوق في الفعالية على الترجي.
وأنا أسجّل بعض الملاحظات، تسرّب إلى أمامي أحد الجماهير التونسية الهائمة، رجل أربعيني يرتدي الأحمر والأصفر من رأسه حتى قدميه، ومع أول فرصة للترجي وقف الرجل متفاعلاً، فطلبتُ منه الجلوس لكي لا يمنع الرؤية عني؛ فقال لي بهدوء "إننا لسنا في دار الأوبرا أو في المسرح هذه كرة القدم ونحن قدِمنا من تونس لكي لا نجلس أبداً طوال الدقائق التسعين"، قلت في نفسي لديه الحق تماماً، ليس عليّ أن أطلب منه تغيير أسلوبه، قلت له الجماهير التونسية على الرأس والعين، فعانقني وجلس إلى جانبي، الآن لدي محلل خبير في الكرة التونسية.
وطبعاً لم يكن مُفاجئاً لي وجود رايات فلسطين مع جماهير الخضراء، فقد اعتدت رؤية ذلك في ملاعب تونس و الجزائر، لكن الأغاني الساحرة لجماهير الترجي والتي اختلطت فيها الفرنسية والإيطالية و العربية، كنت أسمعها بوضوح للمرة الأولى وكانت بالفعل ساحرة مثلما تقول إحدى الأغنيات:
Unico amore grande passione (حبي الوحيد - شغف كبير)
ساكنة القلوب .. سالبة العقول mi obsessione (هاجسي)
Squadra mitica .. Curva magica (فريق أسطوري - جمهور ساحر)
تلمت رجال يو من زمان وصلت المدينة
ما نسلم فيك بروحي حاميك
فرحة كبيرة كي نحكي عليك نجبد ماضيك
غرامك شاغل بالي ساكنة في منامي
تفنى حياتي في خاطرك انت يا الترجي.. نفديك بدمي
فاز الهلال بهدف للأسد غوميس، الذي خرج من الملعب بمنتهى التواضع، كأنه لم يضع الهلال لأول مرة في نصف نهائي الموندياليتو، وأغلب جماهير الترجي بما فيهم صديقي الجديد كانوا مقتنعين تماماً أن الزعيم الآسيوي استحق العبور إلى نصف النهائي. والمشهد الأجمل كان منقسماً إلى قسمين: جماهير الترجي رغم حزنها حيّت لاعبيها، وضمن محيط ملعب المباراة رأيت أكثر من مجموعة تتبادل الصور والأعلام والتذكارات مع إخوتها من الهلال، وكانت جملة "حياكم الله" هي الأكثر تداولاً.
نايف المشجع السعودي الذي جاء من الرياض أكد لي أنه كان محظوظاً بالتعرف على أصدقاء جدد من تونس وأنه فخور بفريقه جداً وهو (أي الفريق) قادر على الذهاب بعيداً في الموندياليتو.
"بالتوفيق مع فلامنغو"، بتلك العبارة ودع أحد مشجعي الترجي مجموعة من جماهير الهلال التي التقط معها صوراً تذكارياً قبل التوجه للمترو.
أسلوب السد الجميل وجماهير مونتيري المميزة
كان من غير الممكن ترك الملعب والعودة إلى المنزل، حتى لو بقي ساعة لصافرة الحكم البلجيكي هاتيغن، أذكره جيداً هذا الحكم، فأثناء قيادته للقاء هولندا وألمانيا ضمن تصفيات اليورو قبل نحو عام من الآن، وصل إليه خبر وفاة والدته فما كان من فان دايك مدافع هولندا إلاّ أن عانقه وتمنى له القوة.
ملامح الحكم الطفولية، معاكسة تماماً لقوة المباراة، الجماهير المكسيكية على يساري وهي حرفياً لم تتوقف عن الغناء ساعة قبل اللقاء وساعة ونصف خلاله.
حاورت البعض منهم كانوا لطيفين للغاية وأعادوا كلمة "فاميليا" أكثر من مرة، قلت لهم: "لم يسبق لي أن شاهدت فريقكم على أرض الملعب" فقالوا لي "الآن أنت عضو في الفاميليا". مع العلم أنّ حساب مونتيري على تويتر غيّر صورة غلافه إلى لقطة كتب عليها باللغة العربية "رايادوس أمام العالم".
الحالة الأسرية في مونتيري كانت قولاً وفعلاً، فالحضور المكسيكي للمباراة كانت سمته الغالبة، الأُسر، سواء تلك المتواجدة في الدوحة، أو التي جاءت لمتابعة فريقها من أسر اللاعبين أو الجماهير.
الشوط الأول انتهى بتقدّم مكسيكي صادم بالنسبة لجماهير السد، وقد قلتُ في نفسي إن تشافي لن يرضى أن يخرج من الدور الثاني بهذه الطريقة، لابد أنه يحضّر لاعبيه لردة فعل قوية، ورداً على حركة تشافي المتوقعة، انتقلتُ من الجلوس إلى جانب جماهير مونتيري، إلى قلب جماهير السد، الآن أنا أفهم اللغة وأعرف العديد من الوجوه.
ارتفع الصوت وعلت الأهازيج، مقابل ذلك لاعبو السد بالفعل كانوا أوفياء لأسلوبهم الهجومي، في الشوط الثاني ورغم تقليص الفارق في مناسبتين، إلا أن الوقت لم يكفِ زملاء الهيدوس وأكرم و"كيمو"، الذين قدموا مباراة كبيرة بدورهم إلى جانب بقية الرفاق مع غياب شيء من الإبداع ربما في كرتهم.
انتهى يومٌ طويلٌ في كأس العالم للأندية كان مرشحاً ليمتد نحو نصف ساعة إضافية على أقل تقدير لو سجل السد التعادل (انتهت المباراة 3-2 لمونتيري)، لكن أمامنا مربع ذهبي لاهب فيه طرف عربي واحد هو الهلال الذي سيقابل فلامنغو (بالمناسبة جماهير نادي زيكو وفيليبي لويس بدأت قبل أيام بالتواجد في الدوحة)، أما نصف النهائي الآخر فسيكون بين ليفربول الذي تنتظره جماهير عربية وإنكليزية وعالمية حاشدة ومونتيري (لا فاميليا).