يجري 30 ماراثوناً في شهر... لهدف خيري
هل تخيلت يوماً أن رجلاً باستطاعته الجري 30 ماراثوناً يومياً ولشهر كامل دون توقف؟؟ السوري فواز غالي (37 عاماً) يفعلها الآن في مدينة ليفربول الإنكليزية حاملاً معه رسالة إنسانية، طبية.
هُمام كدر
الأهوال تبدو أصعب مما هي في الواقع، ربما هذا هو التجسيد المثالي لما نعتقد أنه صعب للغاية وأننا لا يمكن أن نبلغه مهما تدربنا.
لكن ما إن نبدأً، مُدعْمين بخلفية جيدة وتحضير مُكثّف وواعي، حتى تبدأ الصعوبات بالتلاشى أمامنا، المهم ربما أن يدرك المرء نقطة قوته العُظمى وينطلق منها.
عرف الشاب السوري غالي نقطة قوته وقرر استغلالها لأفعال خيرية، وانطلاقاً من تجربة شخصية تمثلت بمرض والده بالزهايمر، قرر خوض تحدي الركض لمجموع مسافة يصل إلى 1266 كم في شهر واحد 42.195 كم لليوم الواحد، لجمع مبلغ 3 آلاف جنيه أسترليني لأبحاث هذا المرض الفقير إعلامياً.
والدي لم يتذكرني...لقد ولدت الفكرة
سافر ابن مدينة حمص إلى بريطانيا عام 2006، لنيل شهادة الماجستير ومن ثم الدكتوراة، وعندما أنهى دراسته متخصصاً في مجال تطبيقات الكمبيوتر في العلوم البيولوجية، لم يعد قادراً على العودة بسبب ما يحدث في سوريا.
ما آلم فواز أن والده قبل وفاته عام 2016، لم يعد يتذكره، لذا قرر أن يساعد في توفير المال لزيادة الدراسات حول الزهايمر.
(الأصدقاء كانوا حول فواز دائماً، سواء عبر السوشال ميديا أو بالتواجد والركض معه في بعض الأحيان).
يضيف غالي: " الزهايمر جعل والدي عدوانياً، وكان من المؤلم أن أشاهد كيف أثّر المرض عليه وعلى بقية أفراد عائلتي، أنا أفعل ذلك لأنني لا أريد لأي أفراد أو أسر أخرى مثل عائلتي أن تمر بما مررنا به - ولهذا السبب أقوم بجمع التبرعات لصالح مرض الزهايمر للأبحاث في المملكة المتحدة، لا يوجد حالياً أي علاج لمرض الزهايمر، لكنني أعتقد بحماس أنه من خلال البحث سوف نغير هذا".
ويختم حديثه فيما يتعلق بالهدف من التحدي: "تعاني أبحاث الخرف من نقص شديد في التمويل - لا يوجد سوى باحث واحد في الخرف لكل 4 باحثين في مجال السرطان - بطريقة ما أريد أن أساعد في تغيير هذا الواقع".
قل لعقلك سنقف متى أردنا
مما لا شك فيه أن القيام بتحدٍ مماثل يتطلب تحضيراً ذهنياً وبدنياً عالياً، فضلاً عن تراكم خبرات مهمة في تكنيك جري المسافات الطويلة.
الألترا ماراثون شائع لدى متحدي المسافات الطويلة والطويلة جداً، وهناك طريقتان لخوض مثل هذه التجارب؛ الأولى تكون من خلال تقطيع المسافة الطويلة إلى مسافات دائرية قصيرة، ما يمنح عقلك الراحة بإن بإمكانه لو رفع الجسد نداء استغاثة أن يأمر القدمين بالتوقف؛ ولكن سلبية هذه الطريقة الملل بسبب تكرار الطريق ذاته 20 مرة فيما لو كانت مسافته2 كم.
(واحدة من الخطط الأسبوعية)
الطريقة الثانية هي اختيار مسار من نقطة الإنطلاق يمتد لـ21 كم ثم العودة للنقطة ذاتها؛ إيجابية هذه الطريقة تنوع المشاهد والسير بطريق مفتوح، وسلبيتها أن عقلك لا يحب المسافة الطويلة بالنظر لو قلت له إنك ستجري طريقاً طوله 2 كم وبإمكاننا أن نقف متى تعبنا.
يقول فواز عن أسلوبه الذي اختاره: "هناك أكثر من خطة تدريبية تتبع في هذا السياق، خطتي كانت التدرّب على الجري لمسافات طويلة 50 كم ووصلت 100 كم جري متواصل من دون توقف".
لم يكن همُّ غالي السرعة بقدر ما ينجز من مسافة خلال الأسبوع الواحد لكي يعوّد جسمه على العمل لفترة طويلة.
"قمت بقراءة العديد من المواضيع حول الجري وتبين لي أن الإنسان الذي يقوم بالركض لمسافات طويلة يحسن جهاز تنفسه وتوزيع الأوكسجين على العضلات".
التحضير الجسدي ليس إلا عامل من تحضير الذات للتجارب الكبيرة، إلا أن الدماغ قد يكون أهم ما يجب أن يتحضّر "من الناحية الذهنية كان اعتمادي على استراتيجية تقسيم المسافات الطويلة إلى مسافات صغيرة بشكل دائري يعني أن أركض مسافة الـ40.195 كم مثلاً، ضمن حديقة قطرها من 2 إلى 4 كم هذا يعطي ذهنك إشعاراً بأنك قادر أن تقف، فيرتاح وذلك أفضل من لو قررت أن تركض مثلاً المسافة بين منطقتين أومدينتين.
وفيما يتعلق بالتغذية ودون الخوض في التفاصيل الدقيقة يقول فواز: "الجسم لديه مستودعين للطاقة؛ السكريات والشحوم بمختلف أنواعها، بالنسبة لي اخترت حرق الشحوم أفضل لأنه يجعلك تجري لمسافات طويلة".
ويشدد المتحدي السوري على أن تغذية العداء تجربة شخصية "لا أنصح أحداً بالقيام بهذا التحدي قبل أن يستشير المختصين".
الركض مع رسالة في قلبك ...
(في مثل هذه التحديات، العقبة الأكبر أحياناً هي عقلك، يجب دائماً أن تقول له إننا سننتهي وسننجز المهمة وسنشعر بأفضل ما يرام).
أنهى فواز الماراثون رقم 28 اليوم السبت وأمامه الأحد والاثنين ليختم تجربته المُلهمة، بعدها ستبقى هذه الذكرى مركزاً لشحذ همته وهمة من حوله، ولكن الأهم أنه حمل رسالة وأوصلها لخط النهاية.
الركض من أجل رسالة، بعيداً عن حسابات الفوز والخسارة، هو ربما استخدام الرياضة في أقصى طاقاتها لخدمة قضية ما، هذا ما يجعل المرء أحياناً أقوى من الرياضيين الأبطال.