لماذا يأفل نجم "إيبرا" في المواعيد الكبرى؟
ترصد لغة الأرقام ظهوراً باهتاً للنجم الباريسي الأول، زلاتان إيبراهيموفيتش، كلّما تعلّق الأمر بمنازلة أحد كبار القارة. فهل من سرّ وراء ذلك؟
باسم السالمي
انقضى موعد المواجهة، وحان وقت المراجعة.. قد يكون هذا لسان حال كل مشجّع باريسي شهد لقاء القمة مساء الأربعاء بين باريس سان جيرمان وضيفه ريال مدريد "ثقيل الظل"، والذي انتهى سلبياً، ليخلّف بالتالي درجات تقبّل للنتيجة بدت متناقضة بين القطبين.
كان الرضا عنواناً للمدريديين على الوجه المقدّم في "قلعة الأمراء"، في حين خرج أهل الداّر من بيتهم الكبير على مضض واضح في خضمّ جملة من المآخذات على مردود لاعبيهم، وأبرزهم "سلطانهم" زلاتان إيبراهيموفيتش، الذي بدا "الحاضر الغائب" في الأمسية الأوروبية الحالمة.
وجه "زلاتاني" شاحب.. لم يسجّل حضوره للمرة الأولى، لا سيما عندما يكون محور الصراع، موقعة أوروبية "ضخمة" كحال مواجهة الأمس.
كلما ارتفع السقف.. نزل زلاتان!
ما حكايته مع الكبار؟ قبل محاولة إيجاد فهم منطقي لهذا السؤال أو إجابة مقبولة عنه على الأقل، لنقل بداية أنّ مدوّنة النشاز الباريسي في مباراة الجولة الأوروبية الثالثة من المجموعة الأولى أمام كبير الليغا المدريدي، لم تكن منحصرة في المستوى المتدنّي لإيبراهيموفيتش فحسب، لأنّ الفريق بأكمله عجز عن إيجاد آلياته التي أضاعت الطريق نحو الفوز.
زلاتان كان أحد الركائز الثلاثة للخط الهجومي المتكوّن أيضاً من أنخل دي ماريا وإدينسون كافاني، حيث كان ثلاثتهم غائبين تماماً عن أجواء اللقاء، ويكفي القول بأنّ هذا "الخط المرعب" وقّع على حضور "مخجل" قوامه 10 تسديدات، كانت اثنتين منها فقط بين أحضان حارس الضيوف كيلور نافاس، وهو ما يمكن اعتباره "غريباً" في مستوى محترف كهذا.
بالعودة إلى زلاتان، لا بدّ من الإقرار بأنّ أمره يدعو فعلاً إلى الاستغراب الشديد، فكيف لنجم ملأت أخباره دنيا المستديرة وشغلت محبّيها، أن يكون "عاجزاً" عن الظهور في صورته المثلى كلّما اصطدم بمنافس عتيد في دوري الأبطال.
مواجهة الأربعاء أمام "الملكي"، فتحت الباب مجدّداً أمام الانتقادات الموجّهة لإيبرا، الذي ما يزال ينتظر هدفه الأوروبي الأول هذا الموسم، وهو هدف طال انتظاره كثيراً خصوصاً أنّ الأخير كان بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2014 في المباراة التي انتهت كتالونية بنتيجة (3-1).
الملفت في حكاية فخر الكرة السويدية مع دوري الأبطال، أنّه لم يسجّل في مرمى الأندية الكبرى في أوروبا إلاّ نادراً، على الرغم من أنّه يمتلك رصيداً زاخراً في المسابقة، التي خاض أول مباراة فيها بقميص فريقه السابق أياكس أمستردام الهولندي، حين خسر أمام سلتيك الاسكتلندي 3-1 ضمن منافسات الدور التمهيدي الثالث بتاريخ 8 آب/أغسطس 2001.
بـ116 مباراة و44 هدفاً، يمكن القول أنّ زلاتان يملك رصيداً محترماً في دوري الأبطال، ويكفي أن نعلم بأنّه يحتل المركز الثاني عشر في قائمة أفضل هدّافي المسابقة على مر التاريخ، كما يحلّ ثالثاً في قائمة أفضل الهدّافين الذين ما يزالون ينشطون في المسابقة بعد أسطورتي الكرة العالمية حالياً، البرتغالي كريستيانو رونالدو المتصدر (83 هدفاً) ووصيفه الأرجنتيني ليونيل ميسي (77).
بيد أنّ كلّ ما فات لا يحجب حقيقة كشفتها جملة من الأرقام التي أوردتها صحيفة "ليكيب" الفرنسية في قراءة خاصة بالنجم السويدي، مستندة فيها على أرقام دقيقة من الـ"يويفا".
"شحيح" أمام الكبار!
"إيبراهيموفيتش.. أقلّ فعالية عند مواجهة الكبار"، عنوان عريض هو بمثابة ثوب يلبسه إيبراهيموفيتش في كل مباراة قمّة أمام أفضل 10 أندية أوروبية أو ما يعرف بالـ"توب 10"، وبالاستناد إلى أرقام الـ"يويفا"، فإنّ الهدّاف التاريخي للـ"بي.أس.جي"، لم يدوّن اسمه سوى في 8 مناسبات على شباك الخصوم.
كما أنّ حظ زلاتان الأوفر من شباك الأندية الكبرى، كان أمام أرسنال الإنكليزي، الذي تكبّد بالقدم السويدية 3 أهداف (هدفين بقميص برشلونة في اللقاء الذي انتهى بالتعادل 2-2 في ذهاب الدور ربع النهائي عام 2010، وهدف بقميص ميلان الإيطالي في مواجهة انتهت بفوز زملاء زلاتان 4-0 في ذهاب ثمن النهائي عام 2012).
شحّ زلاتان أمام الكبار يظهر في الأهداف الثمانية التالية، التي دوّنها في شباكهم على مدار 45 مباراة كاملة خاضها:
27 تشرين الثاني/نوفمبر 2002: هدف بقميص أياكس في مرمى فالنسيا (1-1).
18 تشرين الأول/أكتوبر 2005: هدف بقميص يوفنتوس في مرمى بايرن ميونيخ (1-1).
31 آذار/مارس 2010: هدفين بقميص برشلونة في مرمى أرسنال (2-2).
23 تشرين الثاني/نوفمبر 2011: هدف بقميص ميلان في مرمى برشلونة (2-3).
15 شباط/فبراير 2012: هدف بقميص ميلان في مرمى أرسنال (4-0).
2 تشرين الأول/أكتوبر 2013: هدف بقميص باريس سان جيرمان في مرمى بنفيكا (3-0).
10 كانون الأول/ديسمبر 2014: هدف بقميص سان جيرمان في مرمى برشلونة (1-3).
الأرقام لا تكذب
أفول "إيبرا" أمام الكبار.. أضحى حقيقة ترسّخها الأرقام والإحصائيات وتاريخ البطولة أيضاً، فعلى مجموع 45 مباراة لعبها أمام الـ"توب 10" الأوروبي، سجّل معدّل هزيل للغاية يقدّر بـ 0.17 هدف في المباراة الواحدة، في حين كان معدّله الإجمالي على مجموع الـ115 مباراة التي خاضها قبل نزال ريال أمس، 0.38 هدف.
كما يمتلك زلاتان نسبة تهديف أمام الأندية الأوروبية الكبرى، تصل فقط إلى 18.18 % وهي نسبة ضعيفة أيضاً، استناداً لإمكانات العملاق الباريسي ونجوميته.
ضعف مردودية إيبراهيموفيتش عند مواجهة الفرق الكبرى ليس أمراً مستحدثاً، فأرشيفه في المسابقة يؤكّد هذا التناول، فموسم 2004-2005 مع يوفنتوس كان أدائه التهديفي هزيلاً أيضاً، حيث لم يجد طريق الشباك سوى مرة وحيدة كانت أمام ماكابي تل أبيب من جملة 10 مواجهات خاضها، من ضمنها خصوم على وزن ريال مدريد وليفربول وبايرن ميونيخ.
وحتى عندما انتعشت معدلاته التهديفية في موسم 2007-2008 مع إنتر ميلان عندما وقّع 5 أهداف في 7 مباريات، لم يتذوّق طعم شباك الكبار، فكانت بصماته في أندية أيندهوفن وسسكا موسكو وفنربهتشه.
بالوصول إلى محطته الباريسية منذ 2012، ورغم تحقيقه تطوّراً ملحوظاً، حيث سجّل في موسم 2013-2014 حصة 8 أهداف في 10 مباريات، وباستثناء ثنائية في مرمى بنفيكا ومثلها في باير ليفركوزن، واصل زلاتان ترسيخ عقدته بزيارته مرمى ضعاف الفرق مثل أولمبياكوس (هدف) وأندرلخت (5 أهداف)، قبل أن يعجز كالعادة في مساعدة القطار الباريسي في تخطّي محطة الكبير الإنكليزي تشيلسي في الدور ربع النهائي.
هل أصبح السويدي عبئاً على باريس؟
مواجهة الـ"بارك دي برانس" أمس، سلّطت الضوء على أمور أخرى، لم تكن بارزة للعيان، منها أنّ إيبرا لم يعد ذلك اللاعب الملهم في الفريق حتى وإن أصبح هدافه التاريخي هذا الموسم، بل تحوّل في أحيان عدّة إلى معرقل لسير الفريق، فأمام ريال كان زلاتان أسوء السّيئين، ورغم ذلك تفادى المدرب لوران بلان إخراجه واضطرّ الثنائي دي ماريا وكافاني للتضحية مكانه.
خيارات بلان تركت أكثر من علامة استفهام، ولعلّ أهمّها تتمحور حول ماهية العلاقة بين "الرئيس لوران" ونجمه، وهل أنّه يخشى إخراجه أو استبداله عند الحاجة لذلك؟
امتحان البيرنابيو.. فرصة لتفنيد التاريخ
نظراً لكلّ الأرقام المحبطة التي ذكرت آنفاً.. ستكون أمام زلاتان مساحة للرّد عليها وتكذيبها عبر حضور مؤثر، قد يسجّله في مباراة الإياب بعد أسبوعين من الآن أمام عملاق مدريد على معقله "سانتياغو بيرنابيو"، والتي ستكون حاسمة تقريباً في تحديد هوية متصدر المجموعة.
كما أنّ صاحب الرقم 10 في أمس الحاجة لاستثمار الشغف الباريسي و"فرصته الأخيرة" لمعانقة أمجد الكؤوس الأوروبية، لا سيما مع بلوغه محطة الـ34 من عمره.
حضور "إيبرا" بقوة في موعد البيرنابيو لن يكون متعلّقاً بدواع إثبات نفسه فحسب، بل من أجل الشعب السويدي أيضاً، الذي ينتظر مساهمته الفارقة في موعدي الملحق الأوروبي المؤهل إلى يورو 2016، أمام الجار العنيد، الدنمارك. فهل يظهر غول سكوندنافيا في أبهى تجلّياته، أم أنّ سطوة الأرقام أقوى؟