وسائل الإعلام تسقط متعة كرة القدم
المتابع للمشهد الكروي يلاحظ أن الانحراف الخطير في الإعلام الرياضي وإن كان قديما قدم التنافسية في أكثر لعبة شعبية في العالم، إلا أنه زاد عن حده وتسارعت وتيرته بعد الفضيحة المالية لكل من بلاتر وبلاتر
صارت وسائل الإعلام تصنع الحدث بإغفالها خطط وتكتيكات المدربين، وتناسيها جهود وقتالية اللاعبين، وتغاضيها عن نجاحات ومخططات المسيرين، وتجاهلها هتافات ومساندة المشجعين، لتختزل متعة كرة القدم في قرار غير صائب من هذا الحكم وهفوة تقديرية من ذاك، وفي قرعة سهلة لهذا الفريق وصعبة لفريق آخر.
والمتابع للمشهد الكروي يلاحظ أن هذا الانحراف الخطير في الإعلام الرياضي وإن كان قديما قدم التنافسية في أكثر لعبة شعبية في العالم، إلا أنه زاد عن حده وتسارعت وتيرته بعد الفضيحة المالية لكل من بلاتر وبلاتيني، وهو الأمر الذي جعل وسائل الإعلام تشن حربا شعواء على كل قيم عالم المستديرة، فوجدت في موضوع التحكيم والقرعة وجبة دسمة يطول الحديث والكتابة حولها.
ضف إلى ذلك عامل تعدد منصات التدوين الذي صاحب تطور تكنولوجيات الاتصال، وهو العامل الذي جعل أي مشجع مهما كان مستواه، مصدرا لمعلومة تجانب الصواب في كثير من الأحيان، لكنها تصنع الحدث وتجعل المتابعين ينشغلون بأخطاء الحكم وعدم توازن قرعة ما أكثر مما ينشغلون بما يقدمه اللاعبون على أرضية الملعب.
وهاهي مباراة رفاق نيمار أمام النادي الباريسي خير مثال على تناسي الإعلام للروح القتالية التي أبداها لاعبو البلاوغرانا طوال دقائق المباراة، وتناسيه لخطة 3-4-3 التي خالف بها انريكي تقاليد النادي وشكلت فارقا كبيرا في السيطرة على المباراة، وتناسيه لأخطاء إيميري وانهزامية تياغو سيلفا، ليركز على ضربة جزاء هنا وإنذار غير مستحق هناك.
الأمر ينسحب أيضا على الدوري الإسباني الذي تسيطر فرقه على القارة العجوز بالطول والعرض، والذي يتناسى الإعلام التطور التكيتيكي المذهل الذي وصلت إليه فرقه، ليركز على ضربة جزاء غير صحيحة لنيمار أو هدف تسلل لرونالدو أو حتى خطأ قريب من المرمى للأتليتيكو، حتى وصل الأمر إلى تسليط الضوء على الهدايا التي تمنح للحكام واتهامهم بتلقي رشاوى في مشهد يجسد الجهل التام بالعلاقات العامة لهذه المؤسسات الرياضية الضخمة. وتمادى الأمر ووصل إلى النيل من السلسلة التاريخية لزيدان بسبب هدف من وضعية تسلل قدر حكم الخط عكسها، أو دقيقة إضافية أقرها الحكم الرابع، مما يبخس من حق المدربين واللاعبين في تثمين جهودهم والحديث عن العروض الكروية الرائعة التي يصنعونها.
وهاهي قرعة الأبطال تقترب وبعد أن بذلت ثمانية فرق كل ما بوسعها للوصول إلى الدور ربع النهائي، وتجعلنا مجددا نرى مواقع التواصل الاجتماعي تنفجر بقضية الكرات الساخنة والباردة في مشهد أقرب إلى كرتون تيمي وجليسته فيكي منه إلى كرة القدم، لتصور مباريات الأبطال كتمثيليات يؤدي فيها اللاعبون الأدوار الموكلة إليهم وينفذ فيها الحكام ما يطب منهم ويستفيد الجميع اقتصاديا ويبقى الخاسر الأكبر هو كرة القدم ومشجعوها.
طبعا هذا الكلام لا ينفي بأي شكل من الأشكال وجود أخطاء تحكيمية قد تكون مصيرية في أحيان عديدة، ولا ينفي وجود مصالح اقتصادية لمواجهة هذين الفريقين في قرعة الكأس أو الدوري، لكن التركيز عليها بهذا الشكل المبالغ فيه يساهم مباشرة في قتل متعة كرة القدم التي تعتمد بشكل أساس على التنافس الشريف والنزيه بين 22 لاعبا.