شكراً رونالدو.. شكراً اسبانيا.. شكراً كأس العالم.. عاشت كرة القدم!
قمة اسبانيا والبرتغال في المونديال لخّصت كرة القدم كما يجب أن تكون.. كرة قدم حقيقية حُبلى بكافة عناوين الإثارة.. كرة قدم مُثلى استأثرت بملامح الكمال إلى حد كبير.. ببساطة كرة قدم تأسر الجماهير.
باسم السالمي
كرة قدم من طراز عالمي عال أعلنت فعلياً دخول المونديال حيّز التنفيذ.. كل ما سبق حدث على أرضية ميدان سوتشي الذي شهد معركة طاحنة "أيبيرية الهوية" قوامها المد والجزر بين جيش إسباني عتيد رفع لواءي الوحدة والشجاعة برغم سحب قائده يولين لوبيتغي في توقيت قاتل من جهة و"عدوّ" برتغالي امتلك قاذفة الصواريخ "CR7" التي حرقت الأخضر واليابس.
رونالدو.. "وان مان شو"
بداية – وكمتيّمين بكرة القدم - لا يمكن إلاّ أن "نحسد" من كان حاضراً على ملعب "فيشت" بمدينة سوتشي الروسية، الذين تمتعوا بعرض مبهر سيعلق طويلاً في الأذهان.
أحد الأضلاع الأساسية لهذا العرض الخالد، ليس إلاّ أسطورة البرتغال، كريستيانو رونالدو، الذي أثبت مراراً وتكراراً ومجدداً أنّ اسمه مرادف لمنتخب بلاده بالكامل، وأنّ غيابه وفق المعادلة الحسابية البسيطة يساوي ويعني فقدان هوية البرتغال وانعدام توازنها واندثار هيبتها بل وانتفاء كيانها.
ليس فيما سبق مبالغة على الإطلاق عطفاً على ما قدّمه "الدون" دوماً لمنتخب بلاده بعيداً عن موازين النجاح والإخفاق، الذي قد يتناوله البعض في خضم جدل واسع بين إسهامات، أفضل لاعب في العالم حالياً، في يورو 2016 وتتويجه باللقب رغم خروجه باكراً من موقعة النهائي أمام فرنسا أو مردوده الخرافي في الملحق المؤهل لمونديال 2014 أمام السويد، وشق آخر يسوّق لفشل نجم "الميرنغي" في إثبات نفسه في 3 نسخ سابقة للمونديال حين غادر فيها من أدوار مبكرة.
ولكن بعيداً عن كل ذلك، لا أحد ينكر ما فعله رونالدو أمام إسبانيا في موقعة سوتشي حيث كان الملهم الأوحد الذي كان يقوم بكل شيء لوحده تقريباً، حيث حصد ضربة الجزاء ودوّنها وبدهائه جنى ركلة حرة مباشرة ووقعها في الوقت القاتل بل وأرعب حارساً عملاقاً في قيمة ديفيد دي خيا، الذي استقبل هدفاً ثانياً ساذجاً يخلّص حالة الرعب التي بثها "الدون" في الكيان الإسباني.
لا نعرف إن كانت سطوة رونالدو على هوية البرتغال أمراً محموداً لمنتخب بلاده أم لا يحمد عُقباه، غير أنّه من الواضح للعيان أنّ منتخب الـ"وان مان شو" بدأ المونديال بشكل مبهر في انتظار ما سيلحق.
إسبانيا.. فقدان المايسترو لا يعني غياب السمفونية!
وضع المنتخب الإسباني، مخالف تماماً لجاره الأيبيري، إذ دخل كمتراهن جدّي على اللقب العالمي لما يمتلكه من أسماء رنّانة تصنع الربيع في أي وقت من الأوقات، وبحضور المدرب يولين لوبيتيغي الذي تسلّم مهام الإدارة الفنية بعد يورو 2016 خلفاً للقيدوم فيثنتي دل بوسكي، بدت الأمور أكثر تناغماً وباعثة على التفاؤل، لا سيما بعد تحقيق تصفيات مونديالية ناجحة جداً تخللها فوز ناصع على إيطاليا (3-0) ومن ثم إبهار في الوديات وخاصة أمام الأرجنتين (6-1).
بيد أنّ كل هذه المعطيات الإيجابية مُحيت قبل بداية العرس العالمي الكبير بـ 24 ساعة فقط، والسبب سذاجة لوبيتيغي، الذي أفقده عرض ريال مدريد الكثير من وعيه، ليجد نفسه خارج معترك المونديال بعد إقالته من قبل الاتحاد الإسباني، وهو ما أدخل "لاروخا" في نفق مظلم سمّته الصحف الإسبانية " Dia Negro " أي اليوم الأسود، في إشارة إلى عمق الأزمة وتوقع تأثيرها على شكل المنتخب.
وعندما يشهد شاهد من أهله، فيبقى الإقرار بتبعثر الأوراق في أول امتحانات إسبانيا أمام البرتغال أمراً منطقي التوقع خاصة أنّ معوّض لوبيتيغي، فرناندو هييرو، لم يكن يحظى بمساندة جماعية من اللاعبين. وبرغم ذلك أثبت الإسبان أنّهم عمالقة ليس بتحمّلهم للأعباء المستحدثة للمنتخب فحسب، بل ونجاحهم بشكل مثير للإعجاب في عزل أنفسهم عن أي مشاكل تشتت التركيز وتقديم مباراة استثنائية بأداء مذهل أعاد للأذهان صورة "لا فوريا روخا" التي أرعبت العالم في الفترة ما بين 2008 و2012 عندما حصدت لقبين لليورو ولقب المونديال في 2010.
سمفونية إسبانيا في سوتشي، محت كل آثار العاصفة التي خلّفها رحيل لوبيتيغي عن المنتخب في توقيت حساس للغاية، بل والأهم من ذلك أنّها وفرت أرضية مريحة للمدرب الجديد لكي يستلم مهامه بثقة، وهو ما قد يؤشر لعودة الـ"تيكي تاكا" أكثر قوة ممّا كان متوقعاّ لها قبل المونديال.
بقي أن نقول أنّ العرض الإسباني – البرتغالي الخالد.. كان بمثابة تعريف لكرة القدم المثالية التي يهيم بها كل عاشق للجلد المدوّر، والفضل في ذلك يعود لنجم برتغالي لا يعرف المستحيل ومنظومة إسبانية طوّعت العراقيل واستعادت صورتها الناصعة من مستنقع الشكوك.. ولكل ذلك نودّ القول بامتنان لكل تلك المتعة.. شكراً رونالدو.. شكراً إسبانيا.. شكراً كأس العالم.. عاشت كرة القدم.