بطولة العالم لألعاب القوى: صدام بولت-غاتلين يلهب بيكين
ستكون جماهير "أم الألعاب" في بيكين على موعد مع صدام مثير بين جمايكي "مرعب" وأميركي "متحدٍّ".
تنفّست أوساط ألعاب القوى الصعداء مع عودة العداء الجامايكي أوساين بولت، البطل العالمي والأولمبي، إلى المنافسات قبل أسابيع قليلة من انطلاق بطولة العالم في بكين بدءاً من 22 آب/أغسطس.
وأرخت انسحابات بولت من خوض سباقات بطولة جامايكا ولقائي باريس ولوزان ضمن الدوري الماسي، بداعي الإصابة، ظلالاً من الشك على جهوزه الفني وحضوره المرتقب في "مونديال أم الألعاب"، لا سيما أنّه يعتبر "فاكهة" المنافسات وخير مروج للعبة، التي تفتقد حالياً إلى نجوم "شعبيّين" من طينة خاصة، وفي ظلّ ما يلبّد أجواءها من غيوم منشّطات، خصوصاً أنّ "النجم الساطع" في عالم سباقات السرعة ما هو إلاّ الأميركي جاستين غاتلين، البطل العالمي والأولمبي السابق، الذي أوقف مرتين بداعي التنشط.
كما أنّ نجمين مميّزين في سباق الـ100م تحديداً، مرشّحان لاعتلاء منصة التتويج في بكين، متنشّطان سابقاً هما الأميركي تايسون غاي والجامايكي أسافا باول، حامل الرقم القياسي العالمي السابق، والذي لا يزال يبحث عن لقب كبير.
في ظروف مناخية سيّئة عموماً وحرارة قاربت الـ14 درجة مئوية، استعاد بولت رونق الآداء في لقاء لندن الدولي أخيراً محقّقاً 9.87 ثانية، فقد تجاوز إصابة في الفخذ وأوتار المأبض عانى منها طويلاً، وتعافى بعد جلسات علاج مكثّفة تحت إشراف الطبيب الألماني مولر فولفهارت. لكنّ النتيجة عموماً والفترة القصيرة الفاصلة عن استحقاق بطولة العالم، حرجتان، فلا شيء يعوّض السباقات، خصوصاً أنّه يركّز على شكل الاتساق في انطلاقته الضعيفة عموماً.
وأكّد بولت أنه يبذل قصاراه ليظهر بالصورة المناسبة، وأنه لا يوجّه رسائل إلى منافسيه من خلال نتيجته في لندن، معلناً أنه يترك ذلك للبطولات الكبرى، و"هذا ما يعوّل عليه في النهاية، بحيث يأخذ كل شيء مجراه الطبيعي، خصوصاً عند العودة من إصابة، إذ يلزم ذلك بعض الوقت".
يستغلّ بولت الأسابيع الثلاثة الأولى من آب/أغسطس لتقويم الأمور مع مدرّبه غلين مايلز، الذي يشدّد أنّ الأولوية هي لصحة "البرق" الذي افتقد درجة من المرونة لفترة.
وكان مايلز خشي في مستهل الموسم أن يفضي التشخيص الطبي إلى أنّ آلام الظهر المبرحة عاودت بولت، وتأثير ذلك كبير على مسيرته في هذه المرحلة العمرية (28 عاماً). لذا، كان السباق في لندن لاستعادة الثقة وفصلاً من "التجهيز" ليظهر في أفضل حالاته في بكين، فالهدف الدائم أن يبقى الرقم واحد قبل دورة ريو دي جانيرو الأولمبية 2016، حيث يطمح للاحتفاظ بألقابه (100 و200م والتتابع 4 مرات 100م) للمرة الثالثة توالياً، مكرّساً أن الأولوية في البطولات الكبرى هي للفوز والتتويج ولا شيء غيره، أي أنّ تحطيم الأرقام القياسية يكون مسألة ثانوية.
وفاز "البرق" في لندن ووجّه رسالة "عالمية" أمام 40 ألف متفرج، وعادت الابتسامة إلى وجهه، وبدا الارتياح على محيّاه، إذ أنّ آخر نتيجة جيّدة حقّقها (9.80 ث) كانت خلال لقاء بروكسيل في 6 أيلول (سبتمير) 2013.
وغمز متابعون مردّدين أنّ رقم بولت الأخير (9.87 ث) المسجّل في ظروف لندن المناخية الباردة الرطبة "يعادل" رقم غاتلين (9.74 ث) في لقاء الدوحة وسط مناخ حار وجاف، وتألّقه في روما وموناكو.
ومن خلال تصريحاته يبدو بولت (حامل الرقم القياسي العالمي في الـ100م والذي سجّله خلال بطولة العالم في برلين – 9.58 ث) حاسماً في خياره وقوله أنه لم يتراجع ليصبح الرقم 2، وأن مدرّبه لم يوافق على إشراكه في لقاء لندن لولا التأكد من شفائه. ويجزم أن هدفه الدائم انطلاقة جيّدة (يبذل جهده ليطوّرها)، ثم "انتقال جيّد"، وبعدها تسير الأمور على ما يرام.
على منعطف المنافسة، ينتظر غاتلين متحفّزاً (لم يخسر في سباق الـ100م منذ آب /أغسطس 2013)، متبرّماً من الشكوك حوله، مكرّراً تأكيده أنه خير مثال عمّن تجاوز الخطأ (وليس أحد منزّهاً عنه) وتعلّم منه ورماه خلف ظهره. ويقول إنّ ما عاناه من إيقاف (أوقف مرتين عامي 2001 و2006 ما مجموعه 6 سنوات لثبوت تناوله مادة منشّطة ممنوعة) درساً مفيداً للصغار.
وأكّد غاتلين أنه يتمنّى أن يكون بولت في عزّ قوته. ويضيف (ربّما متوعّداً): "أنا في انتظار بولت الكبير في بطولة العالم. هو قادر طبعاً على الاحتفاظ بلقبه (ليس من باب المجاملة ربّما)، أنا أعشق السباقات أمامه وأتشرّف بمواجهته، وأتعطّش للألقاب خصوصاً إذا كانت نتيجة سباقات تضمّنا معاً. وهو لا ينكر أنّني أشكّل الخطر الأكبر أمام طموحاته".
ورفع غاتلين من وتيرة تحدّياته متابعاً: "أتمنّى أن يكون بولت في أتم استعداده لبطولة العالم، ولا أفكّر بالفوز عليه فقط بل على المنافسين جميعهم"، موضحاً: "أنا أحترم الجميع لكنّي أركّز على أسلوب جري السباق وأن أسيطر وأتفوّق".
في جعبة غاتلين 5 ذهبيات من فوزه بسباق الـ100 م في دورة أثينا الأولمبية عام 2004، وثنائية الـ100 والـ200 م في بطولة العالم في أوساكا عام 2005، فضلاً عن تتويجه بسباق الـ60م في بطولة العالم للقاعات عامي 2003 و2012، كما حلّ ثالثاً في دورة لندن الأولمبية عام 2012 (9.79 ث).
ويؤكّد اختصاصيون أنّ غاتلين استفاد من تناوله المنشطات، و"استغلّها" بمفعول رجعي، أي أنّ خزين مفعولها في جسده "إيجابي" على المدى الطويل. لذا، يبدو في سن الـ33 وكأنّه في الـ27 من عمره، يتمتّع بكتلة عضلية فائقة وطاقة استثنائية ربّما نتيجة الخلايا النشطة جرّاء ما تناوله من "محفّزات" (امفيتامين لمعالجة الحركة المفرطة في صغره كما يدعي، ثم ستيرويد عام 2006).
وإذا كان بعضهم ينادي بحق غاتلين بالحصول على فرصة ثانية بعد اقترافه الخطأ، فما يظهره من تفوّق يدعو إلى الاستغراب نظراً لأنّ توقيت النتائج المحقّقة قريب لما كان يسجّله قبل عقوبة الإيقاف، ومنها معادلة رقمه الشخصي في الـ200 م البالغ 19.68 ثانية (أفضل رقم هذا الموسم)، وهي نتيجة بحدّ ذاتها تهديد جدّي لبولت على هذه المسافة التي يبرع في سباقاتها ويفضّلها على الـ100م عموماً، ويحمل رقمها القياسي العالمي أيضاً (19.19 ث في بطولة العالم 2009).
في المقابل، يستغرب غاتلين مقارنة إنجازاته الأخيرة بالاختبارات التي أجراها الباحثان النرويجيان جو بروسغارد وكريستيان غوندرسين على فئران في جامعة أوسلو، والتي تظهر تضخّم الكتلة العضلية نتيجة حقن منشّطة ومفعولها الطويل المدى، عازياً الشكوك المثارة حوله إلى "الغيرة المطلقة" من نجاحه، مؤكّداً أنه إنسان نظيف، وأنّه سواء كان مذنباً (وبالأحرى مظلوماً كما ردّد مرات وأنّ مدربه تريفور غراهام أوقع به انتقاماً) أو بريئاً، فقد "سدّدت ديوني وفوائدها".
وعلى رغم أنّ ما رمى إليه بروسغارد وغوندرسين ينسجم عموماً مع إشارات عن طرق تنشط متقدّمة تحدّث عنها مدير الوكالة الأميركية ترافيس تايغرت، "ينتفض" غاتلين مدافعاً عن "حقّه"، ومصرًّا على أنّ تطوّره "ثمرة التركيز والجهد المبذول، كما أنّ ما حقّقه بولت في السنوات الأخيرة شكّل حافزاً لنا"، ومثابرته على التدريب حتى خلال سنوات إيقافه، جعلت منه لاحقاً خصماً عنيداً قادراً على النيل من الجميع، لافتاً إلى أنّ ألعاب القوى لا تقوم وتزدهر إلاّ بالمنافسة وتحطيم الأرقام، لكنّه لم يشر إلى الوسيلة "المدمّرة" التي اعتمدت مرّات كثيرة.
أخبار متعلقة