نهوض مايكل فيلبس ... صديق وكتاب أعاداه إلى القمة 2-2
قبل أن يصل أسطورة دورات الألعاب الأولمبية الصيفية الأميركي مايكل فيلبس إلى ما وصل إليه في ريو 2016، عانى من خيبات عديدة على المستوى الشخصي، لكنها خيبات لم تسقطه كلياً بل قوّته لقادمات الأيام.
هُمام كدر
في الحلقة الأولى من الجوانب الخفية في شخصية السباح التاريخي فيلبس، تناولنا علاقته المتوترة مع والده، والصورة المؤلمة له وهو يتعاطى الماريغوانا، واليوم نتحدث عن توقيف الشرطة له، ومن ثم نهوضه ليصبغ المياه الإقليمية البرازيلية بالذهب الخالص.
قيد الاعتقال
صباح الثلاثين من أيلول/ سبتمبر، عام 2014، حدث الأمر السيء الذي توقعه مدربه، فبعد خروج فيلبس من أحد كازينوهات مدينته بالتيمور وقيادته سيارته بسرعة 81 ميلاً، في طريق تبلغ فيه السرعة القصوى 55 ميلاً، قامت شرطة المدينة بتوقيف البطل الرمز ليتبين فيما بعد أنه كان يقود تحت تأثير الكحول.
"أنا مدمر، كنتُ أناضل لأنجو من الفشل، وقد كنت أصرخ طلباً للمساعدة"، تلك كانت الكلمات الأولى للبطل الأميركي بعد توقيفه، ورغم أن الأمر يحدث للمرة الثانية، إلا أن فيلبس كان محظوظاً لأن أحداً لم يصب بأذى.
في المقابل كان ذلك التوقيف بمثابة الضربة الثقيلة لروحه الممزقة أصلاً، إذ لم يكن الأمر مخيباً لوالديه ولمدربه فقط؛ بل لعشاقه حول العالم. يقول مدربه: "لقد شعرتُ بصراحة أن هذه الضربة كانت القاضية عليه، وأن عودته كما كان، أمر مستحيل...".
خلال الأيام الخمسة التي تلت التوقيف، لازم فيلبس منزله في بالتيمور، رافضاً الخروج من غرفته؛ "للحظة ظننت أنها نهاية حياتي حرفياً، وذلك لأنها كانت المرة الثانية؛ وكم مرة سوف أخفق بعد، لقد ظنَّ فيَّ الناس خيراً ولكني خيّبت آمالهم، وجعلتهم يواجهون حماقاتي والمشاكل التي ورطّهم فيها، لم أغادر غرفتي ولم أتمكّن من النوم، لقد توصلت بأن أفضل شيء أقوم به، هو إنهاء حياتي".
نصيحة من صديق
من عمق الأزمة التي عانى منها فيلبس ظهر رين لويس لاعب كرة القدم الأميركية وصديقه المقرّب جداً والمُلقب بأيقونة بالتيمور الثانية، "قلتُ له استمع لي، هذه هي اللحظة عندما نقاتل وعندما تظهر شخصياتنا، لا تسقط، لأنك إذا سقطت سوف نخسر جميعاً"، وكان رده: "لقد وصلت إلى النهاية، لقد فشلت".
رد فيلبس لصديقه أشعر الأخير بالغضب، ولكنه ربما كان ما يسمى بالغضب الساطع "عندما تسمع أخاً صغيراً لك يقول، وصلت للنهاية، وفشلت، فإنك تشعر بالغضب، لذلك كان عليَّ أن أعود إلى أكثر أيامي سواداً وأكثر الأعماق المظلمة من شخصيتي، هذا ما كنت أحاول زرعه فيه، بأن دعني أريك حقيقتك، دعني أُظهر لك حقاً من أنت".
لويس وبعض المقربين من فيلبس أقنعوه أخيراً بأن يلجأ إلى العلاج في منشأة لإعادة التأهيل بفينيكس، يقول البطل الأسطوري عن ذلك: "صعدتُ إلى السيارة وكنت ارتجف، وبقيت كذلك حتى وصلت إلى هناك، وعندها أرسلتُ رسالة نصية لوالدتي أخبرتها بأنني أشعر بالخوف للمرة الأولى في حياتي، لأنني خارج منطقتي المريحة، ولم يعجبني ذلك، أعتقد أنك عندما تصل إلى الحضيض سوف تكون منفتحاً على أشياء كثيرة لتحاول تغييرها، وتحاول العودة للمسار الصحيح".
واجه وساوسه في مصح
خلال 45 يوماً في المصح، واجه فيلبس وساوسه الداخلية للمرة الأولى في جلسات العلاج، وغالباً ما كان يسبح في حوض السباحة الصغير الذي كان بعيداً كل البعد، وأصغر بحوالي 18 مرة من المسبح الأولمبي... ملعب فيلبس وغرامه؛ "كان يلزمني تجذيفتين لأصل إلى الطرف الآخر، وكنت أفكر مالذي أفعله هنا، بدأت أتدرب على الركض والتجذيف وتنظيم النفس، لذلك كان لدي شيء آخر أقوم به".
إلى جانب ساعات العلاج والتدريب الخفيف، دفن فيلبس نفسه في كتاب أهداه إياه صديقه لويس، الكتاب كان اسمه "الهدف من الحياة" يقول فيلبس عنه: "لقد جعلني اؤمن بالقوى العظيمة التي في داخلي، وأن هناك سبباً لوجودي على هذا الكوكب".
وبعد أيام من دخوله المصح ومطالعته للكتاب، شعر كل من حول فيلبس بأنه بدأ يعود.
عودة القرش
الدروس التي تعلمها فيلبس من صفحات الكتاب، ومن العلاج، أقنعته بمحاولة إعادة بناء العلاقة مع والده، فالتقيا في إحدى حفلات الأسرة وبدأت العلاقة تعود إلى مجاريها بالتدرّج.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2014، غادر فيلبس المصح وعاود التدريبات تحضيراً لريو، في غضون ذلك انقطع السباح التاريخي لأميركا نهائياً عن المشروب عام 2014، والتزم بالتدريبات التحضيرية للأولمبياد.
وفي النهاية، يتحدث فيلبس عن أفضل جزء في حياته، إذ لم يكن هو تحقيق الانجازات أو اعتلاء منصات التتويج، ولا حتى السباقات، بل ما حظي به من أشخاص يكنون له الحب ويقوّمون سيره في الحياة قبل أحواض السباحة.
سيعود فيلبس من ريو وهو على قمة قمم المجد، تاركاً للرياضة إرثاً هائلاً، وسوف يخبر ابنه روبيرت الرضيع حينما يكبر، بأن الطريق نحو المجد صعب وصعب جداً، وبأن المرء مهما سقط، إذا كان يملك بذرة رجل صالح وأصدقاء أوفياء فإنه لا محال سينهض.