غريبٌ في بيتِه!
زاهر الحلو
منذ البزوغ اختار الكاتالونيون شعار "أكثر من مجرّد ناد" لبرشلونة فعكسوا بذلك قيمته ورمزيته كناصية تمثّل عنفوان وكبرياء هذه المقاطعة المطالبة دوماً بهوية كاملة السيادة تترجم أخرى نفسية تسكن كل برشلوني.
عبرت سنون وذبلت عقود وقرن انطوى وبرشلونة بنجاحاته المتعاقبة أمعن بإذكاء القومية لدى كل كاتالوني حتى أمست إسبانيا تكاد لا تساوي شيئاً أمام عصب شدّت أزره كرة طُبع عليها مما طُبع اسمان: ميسي وغوارديولا.
عبقريان فذان؛ واحدٌ مهاري وآخر استراتيجيّ عرف معهما العالم ما لم يخبره أيّ ناد أو فريق؛ لا أرقاماً ولا متعة ولا ذوباناً روحياً كما رأينا بين معلّم ونجباء انجلى انصهارهم مراراً وتكراراً على الميادين النضرة، ومع حناجر صداها تدركه في كل رواق.
ورغم أنه دائماً ما كان العالم مسرحه، إلا انّ المعلم "بيب" شرع عام 2012 برحلة البحث عن مجد خارج السياج الكاتالوني. انفصال بدا وكأنه شرخ في عائلة لم تفسد في ودّها قضية، فشعب كاتالونيا ما دأب يردد "نحبك أبداً بيب" وبارتوميو أكّد ويؤكد "سيعود يوماً".
اليوم الامتحان العسير؛ عودة أولى لصاحب المجد الكاتالوني الأغنى على صهوة جواد آخر لمقارعة تاريخ في فريق ذاب به ومعه طوال أربعة عشرين عاماً مذ كان طفلاً فلاعباً فمدرباً حتى أمسى أيقونة أمّة. عودة جمّة الصعاب شائكة، لا يذكرها سجل "بيب" الهفّاف.
ولأنه فطن مسبقاً لهذا الموقف، أراد الفيلسوف اختبار الذات مبكراً، فعمد للنزول بعيداً عن "كامب نو" وسار بين شعبه مسافة واختبر مشاعره ومشاعرهم وتفاعل معهم أمام مانشستر سيتي ولا شك أنه اراد كسر الحواجز وفحص الذات وتمهيد طريق حينها كانت افتراضية.
الافتراض بات واقعاً والخطوة تُحسب للداهية الذي غالباً ما أنقذه نبوغه الكروي لا بل رصّع به بافاريا بعد كاتالونيا؛ لكن هذه المرة سيحتاج بيب لأكثر من استراتيجية: استراتيجية فنية لتحجيم رفاق الأمس وما أقساها، وأخرى عاطفية أكثر قساوة بما لا يقاس للتنكر لروابط التاريخ والأخوة والأبوة وهو الدخيل في مرتعه الأوّل!
غوارديولا أمام امتحانين الكرة وكاتالونيا؟ لا أحد يعلم ما يختلج صدره لكننا نعلم لغة الاحتراف تماماً كما هو مدركها أكثر منا بمسافات. إن أفلح فمن المؤكّد أنّه لن يحتفل ولن يجرح كبرياء أهله، وهم بدورهم وإن كان ولاؤهم لا يحتاج جسّاً سيبادلونه الاحترام والتقدير في كل حال. لكن هل من مكان لعشق الأمس؟ قطعاً لا. بيب غريب في بيته.