باسم السالمي

تصوير - سامر الرجّال

لفت تميّز مارتشينكو في بطولة قطر إكسون موبيل 2016 أنظار كافة متابعي البطولة، حيث كان جديراً بلقب "الحصان الأسود" بعد أن أتى من بعيد جداً مخترقاً حواجز التوقّعات، ليحجز مكاناً ضمن المربع الأخير للنسخة الرابعة والعشرين من الدورة.

مارتشينكو، وإن كان في حكم المجهول لدى غالبية جماهير الكرة الصفراء في الدوحة والعالم، إلاّ أنّه بات معلوماً بقوة بفضل أخبار تألقه وانتصاراته الاستثنائية في هذه النسخة.

من يكون مارتشينكو؟

بدأ مارتشينكو (28 عاماً) حكاية عشقه مع عالم الكرة الصفراء في سنّ السابعة، حيث أسرته هذه الرياضة، التي كان يعتبر فيها الثنائي السويسري روجيه فيدرر والأسترالي ليتون هيويت، نجميه المفضلين.

بدايته الرسمية مع التنس كانت في 2005، حيث بدأ خوض منافسات الزوجي رفقة شريكه أرتيم سميرنوف تحت لواء ما يعرف بدورات "فيوتشر تورنامنت"، ومن ثم انطلقت مسيرته مع الفردي أيضاً، حيث بدأ بتحسّس الخطوات العسيرة للمستوى العالي، وهو ما بات لاحقاً أمراً معقّداً جداً، حيث لازم الفتى الأوكراني المنافسة فيما يعرف بدورات التحدّي "تشالنجر تورنامنت" تحت إشراف أورست تيريتشوك، الذي تولّى تدريبه منذ تمّوز/يوليو 2009 قبل أن ينفصل عنه في 2014، ليحلّ محلّه تيبور توث.

الدوحة.. ميلاد لتوهّج طال انتظاره

استغرق مارتشينكو وقتاً طويلاً ليتجاوز فترة التنافس في بطولات التحدي والمرور إلى مستوى أكثر تنافسية وصعوبة.

على الرغم من 10 نهائيات في الفردي (فاز في 3 فقط من جملة 10) و4 في الزوجي (فاز في اثنين وخسر مثلهما)، لم يسجّل اللاعب الأوكراني دخولاً سريعاً في بطولات المحترفين، حيث لم يسجّل أية نتائج ملفتة، وحتى مشاركاته في الـ"غراند سلام" العام الماضي مثلاً لم تكن بارزة، حيث غادر منذ الدور الأول في بطولتي أستراليا المفتوحة ورولان غاروس، وتوقفت مسيرته عند حدود الدور الثاني في أميركا المفتوحة، فيما لم يشارك في ويمبلدون.

برغم كل ذلك، فإنّ بداية عام 2016، لم تكن روتينية إطلاقاً لإبن أوكرانيا صاحب التصنيف الـ94 عالمياً، فدخوله مغامرة قطر إكسون موبيل كان مدوّياً بعد أن أزاح حامل اللقب الإسباني دافيد فيرر (المصنف السابع عالمياً) من الدور الأول، وهو ما أكسبه الثقة اللازمة ليثور في وجه الثنائي، الروسي تيموراز غاباشفيلي (المصنف 50 عالمياً) والفرنسي جيريمي شاردي (المصنف 31 عالمياً) في طريقه إلى المربع الذهبي.

الأراضي الصلبة.. مصدر ثقة إضافي

المتمعّن في النتائج الجيّدة التي حقّقها مارتشينكو لا سيما في بطولات التحدّي، سيجد أنّ النهائيات العشرة التي خاضها اللاعب في منافسات الفردي، كانت جميعها على الأراضي الصلبة، كما أنّ ثلاث نهائيات أخرى من جملة أربعة لعبها في الزوجي كانت أيضاً على نفس الأرضية.

وإلى حدود ما حقّقه من نتائج مبهرة في الدوحة حتى الآن، يبدو الدليل واضحاً بأنّ الأرض الصلبة هي المفضّلة من بين أنواع الأرضيات الأخرى بالنسبة للاعب، الذي يأمل كسر عقدته مع الألقاب في بطولات المحترفين بالتتويج على أرض الدوحة.

الإرسال.. عامل قوّة

من يعرف مارتشينكو أو حتى من تعرّف عليه حديثاً من خلال بطولة قطر إكسون موبيل، لن يكون من الصعب عليه تمييز نقطة قوّته، فاليد اليمنى للاعب الأوكراني هي بمثابة "قاذفة للصواريخ"، حيث يتمتّع بقوة كبيرة في الإرسال كثيراً ما وقفت إلى جانبه في أوقات الشدّة، وهو ما قد لمسه جمهور الدوحة، في مواجهة الإسباني فيرر، الذي تعذّب كثيراً من إرسال مارتشينكو الساحق، الذي بلغت سرعته في تلك المواجهة معدّل 200 كلم في الساعة.

تقنية الإرسالات الساحقة، ليست نقطة القوة الوحيدة التي يمتلكها اللاعب الأوكراني، حيث يلاحظ المختصّون أنّه يعتمد على ضربات خلفية متقنة جداً والحديث هنا عمّا يعرف في عالم التنس بتسديدة الـ"باك هاند".

القوة البدنية.. عنوان بارز

بطول يبلغ 1.85 متراً ووزن يقدّر بـ78 كيلوغراماً.. يعدّ مارتشينكو، الذي احتلّ المركز 67 عالمياً في تموز/يوليو 2010، كأفضل تصنيف بلغه، صاحب إمكانات بدنية مرموقة، تخوّل له التحكّم أكثر في نسق لعبه، وتمكّنه من التكيف مع قدرات خصمه، وهو ما لمسناه بوضوح في أولى مواجهاته في هذه البطولة أمام فيرر، هذا الأخير الذي لم يجد الأسلحة التي تمكّنه من كبح جماح مارتشينكو الذي بدا قادراً على مجاراته من جميع النواحي.

الجاهزية البدنية، وإن لم تكن كافية لوحدها، إلاّ أنّها تعدّ أحد الأسلحة الأساسية التي يعتمدها الأوكراني في مجابهة تنوّع الخصاص الفنية لخصومه.

رجل تضحية

من مدينة دونتسك الأوكرانية، إلى العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، غيّر مارتشينكو مقر إقامته، مصحوباً بطاقمه التدريبي الكامل (مدرب خاص ومدرب لياقة والمعد البدني) ليبتعد عن كل ما يعترض طريق تحضيراته أو يسهم في تشتيت تركيزه.

هذا التحوّل الجوهري، سرعان ما أتى بأكله، حيث تحسّنت مردودية إيليا، كما أنّ هذه العزلة أسهمت في خضوعه لجملة من التدريبات المكثفة في الجبال، وهو ما جاء على لسان اللاعب في آخر مؤتمر صحفي عقده مساء الخميس عقب تأهله إلى الدور نصف النهائي لبطولة قطر إكسون موبيل.

هل يكون الـ"ماتادور" الضحية المقبلة؟

مواجهة المربع الذهبي أمام العملاق الإسباني، رافاييل نادال، ستكون بمثابة الامتحان المغاير لما مرّ به مارتشينكو حتى الآن، كونه ببساطة الأصعب والأكثر تعقيداً لا سيما أنّه أمام المصنف الخامس عالمياً، الذي بدأ يسترجع الكثير من إمكاناته التي افتقدها في 2015.

ليس خافياً أنّ منسوب الثقة لدى الفتى الأوكراني بصدد الاستمرار في الارتفاع مع انقضاء كلّ دور، ولكنّ الحديث الآن عن موعد حاسم، سيصطدم من خلاله "إصرار" مارتشينكو بالرغبة الجامحة للماتادور في استرجاع "النسر الذهبي" الذي طار من بين يديه بعد أن أمسك به للمرة الأولى في 2014. فهل يواصل الحصان الأسود حصد مفاجآته أم أنّ "رافا" سيكون جاهزاً لتحجيمه؟