كوارث إدارية على وشك تدمير مشروع تشيلسي
بين هزائم مدوية تلقاها تشيلسي ومستويات متواضعة يقدمها لاعبو الفريق أصبح السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة حالياً كيف تحول أحد عمالقة الكرة الإنكليزية إلى كيان ضعيف على وشك الانهيار؟!.
أحمد النفيلي
عندما تأهب ماوريتسيو ساري لإخراج حارسه الأساسي الإسباني كيبا والدفع بالحارس الاحتياطي الأرجنتيني ويلى كاباييرو اعتلت الصدمة والدهشة الجميع بعد رفض كيبا القاطع للخروج وإهانته مدربه بعدم انصياعه لقراره، صدمة كان مبعثها أن هذا التصرف كان هو الأول على الإطلاق الذي تشهده الملاعب الإنكليزية بل وربما ملاعب دول الصف الأول أوروبيا أيضاً، ورغم غرابة الواقعة في حد ذاتها إلا أنها كانت أيضاً مؤشر على حالة الانهيار الإداري التي أصابت الفريق في السنوات الأخيرة.
فجأة ودون مقدمات تحول أنجح فرق العاصمة الإنكليزية لندن في السنوات العشرين الأخيرة إلى نادي يعج بالمشاكل الإدارية الغريبة، مشاكل تجلت في عدد من المواقف التي لم تشهدها الملاعب الإنكليزية من قبل والتي انعكست بعنف على تدهور نتائج الفريق مؤخراً.
قرارات إدارية غريبة
ويمكن القول إن الفريق اللندني انطلاقاً من موسم 2015-2016 وهو يفاجئ الجماهير والمتخصصين ووسائل الإعلام بالعديد من القرارات المثيرة للجدل بدءاً بإقالة جوزيه مورينيو بعد سبعة أشهر فقط من فوزه بلقب الدوري الإنكليزي مروراً بالقرار الغريب من أنطونيو كونتي بإبلاغ أنجح مهاجميه دييغو كوستا بعدم رغبته ببقائه في الفريق عبر رسالة نصية على هاتفه المحمول، ووصولا إلى الموسم الغريب الذي قضاه كونتي مع البلوز(2017-2018) والذي لم يكن يرغب في استكماله من الأساس والإدارة أيضاً لم تكن ترغب في استمراره إلا أن الطرفين أصرا على عدم المبادرة خوفاً من الشرط الجزائي وحفاظاً على حقوقهما التعاقدية وهو ما دفع الفريق ثمنه بعد ذلك وامتدت آثاره السلبية إلى الموسم الحالي.
الأسوأ في موقف إدارة تشيلسي أنها لم تهدر فقط الوقت في الموسم الماضي بل أنها فوتت على الفريق وعلى مدربه الجديد ساري أيضاً فرصة الاستعداد بشكل مثالي في الصيف الماضي، علماً بأن التعاقد مع ساري أساساً كان محل استفهام كبير خاصة أن المدرب الإيطالي صاحب الستين عاماً خبرته "صفر" بالكرة الإنكليزية وعلى الرغم من تقديمه مستويات متميزة مع نابولي إلا أن الرجل لم يحقق أي لقب مع الفريق الجنوبي إضافة إلى تواضع مسيرته ونتائجه في المسابقات الأوروبية وخاصة دوري الأبطال.
تشيلسي يحل في المركز الخامس حالياً في الدوري الإنكليزي من حيث التصويب بين القائمين والعارضة برصيد 137 تصويبه الأول مانشستر سيتي (183 تصويبه) والثاني مانشستر يونايتد (174) الثالث ليفربول (165) الرابع توتنهام (143).
الإخفاق الإداري في التعامل مع أزمة كونتي لم يكن سوى لقطة واحدة في عدة مشاهد أثبتت أن الفريق يعاني من خلل إداري كبير ولعل الوقت حان فعلاً لأن يغير مالك النادي الملياردير الروسي الأشهر في عالم الكرة الإنكليزية رومان إبراموفيتش من سياسته في إدارة البلوز أو يبحث عن شخصيات أخرى تدير النادي عوضاً عن رئيسه الحالي المحامي الأميركي بروس باك أو مديرة النادي ومسؤولة إدارة كرة القدم الأولى الروسية الكندية مارينا غرانوفسكايا.
والحقيقة أن التغيير الإداري أصبح حتمياً خاصة بعد الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها إدارة الفريق في فترات الانتقالات المتتالية ودفع ثمنها تشيلسي غالياً الموسم تلو الآخر، أو بعد فضيحة تعرض الفريق لعقوبة الحرمان من شراء اللاعبين لفترتي انتقالات متتاليتين، وهي العقوبة التي كانت بسبب خروقات في صفقات قام بها تشيلسي لضم عدد من اللاعبين الشباب لصفوفه في الماضي، إذ قامت الإدارة بالتعاقد مع 29 لاعباً تحت سن الثامنة عشرة بما يخالف قوانين الاتحاد الدولي.
كوارث الميركاتو
41 لاعباً يعيرهم تشيلسي حالياً إلى أندية أخرى أبرزهم الحارس البرتغالي إدواردو والفرنسي تيموي باكايوكو والإسباني موراتا والنيجيري فيكتور موزيس والجناح البرازيلي كنيدي والمهاجم البلجيكي ميتشي باتشواي والمدافع الفرنسي زوما والأميركي بوليسيتش إضافة إلى المهاجم الواعد تامي أبراهام.
أبرز الأسباب التي أوصلت تشيلسي إلى ما هو عليه الآن كانت القرارات الخاطئة في أسواق الانتقالات المتتالية سواء باستغنائه عن لاعبين واعدين أو بضمه لاعبين غير مؤثرين على الإطلاق فشلوا في إضافة أي جديد للفريق مؤخراً سواءً كأساسيين أو كمشاركين على كرسي البدلاء.
وبالتأكيد لا يمكننا أن نفتح ملف انتقالات البلوز بدون تذكر الأسماء الهامة الذي استغنت عنها إدارة الفريق وهم محمد صلاح وروميلو لوكاكو وكيفين دي بروين وخوان كواردرادو وألفارو موراتا ودييغو كوستا ونيمانيا ماتيتش إضافة إلى جيش من اللاعبين الواعدين مثل المدافع الفرنسي كورت زوما والمهاجم البلجيكي ميتشي باتشواي والظهير عبد الرحمن با والمدافع الهولندي ناثان آكي.
أما عن العناصر التي انضمت للفريق ولم يستفاد على الوجه الأمثل منها فحدث ولا حرج، فهناك لاعب موناكو السابق تيموي باكايوكو والمنضم من ليستر سيتي داني درنكووتر والقادم من تورينو دافيد زاباكوستا والدولي الإنكليزي روبن لوفتس تشيك ابن النادي في الأساس والذي أعير إلى كريستال بالاس قبل أن يقدم مستويات متميزة مع المنتخب الإنكليزي في نهائيات كأس العالم الماضية ما أجبر إدارة الفريق على إعادته مجدداً إلا أنه أيضاً يظل حبيس مقاعد البدلاء أغلب الوقت.
والغريب في الأمر ذاته أن عدم إبرام التعاقدات المؤثرة بشكل إيجابي في الانتقالات استمر حتى الميركاتو الشتوي المنصرم الذي شهد تعاقد البلوز مع الأميركي كريستيان بوليسيتش من دورتموند زهاء 64 مليون يورو إضافة إلى المهاجم المعار من يوفنتوس الدولي الأرجنتيني غونزالو هيغوايين والغريب جداً أن بوليسيتش تحديداً هناك تصريح منسوب لساري أنه لم يعلم من الأساس بالتعاقد مع اللاعب ولم يطالب بضمه علماً بأن اللاعب الأميركي معار إلى دورتموند ذاته حالياً في واقعة تؤكد أكثر على عشوائية أخذ القرار في الفريق اللندني، صاحب أغرب صفقات الميركاتو الصيفي الماضي على الإطلاق عندما تعاقد مع الحارس الدولي السابق الذي على وشك الاعتزال روبيرت غرين (39 عاماً) ليكون بديلاً لكيبا أحد أغلى حراس المرمى في العالم وصاحب المستويات المهتزة وللحارس الذي أخفق بشدة مع الأرجنتين في المونديال الماضي كاباييرو.
إهدار المواهب الشابة
المؤسف في الوقت ذاته أن تشيلسي يعد من أفضل الأندية الأوروبية على صعيد تقديم المواهب الشابة واللاعبين الواعدين إذ أن قطاعاته السنية المختلفة تعج بعدد غير محدود من أفضل اللاعبين تحت سن العشرين على صعيد إنكلترا بل وأوروباً، ولعل أبرز مثل واضح على ذلك أن صغار تشيلسي هم أبطال دوري أبطال أوروبا للشباب أو ما يطلق عليه رسمياً "الدوري الأوروبي للشباب" أعوام 2015 و2016 كما أن الفريق هو وصيف الموسم الماضي خلف برشلونة أي أنه عباره عن مصنع متكامل لإنتاج المواهب الشابة ولكنها للأسف مواهب لم تفد الفريق بأي شيء إذ أن هناك إصرار غريب على إهدارها بالإعارة أو بالبيع حتى أن بعض التقارير الصحفية أشارت إلا أن تشيلسي أعار في الموسمين الماضيين 41 لاعب شاب وناشئ لأندية أخرى منهم على سبيل المثال مهاجم واعد مثل تامي أبراهام (21 عاماً) والمتواجد حالياً مع أستون فيلا.
وبالتأكيد فإن سوء التعامل مع أزمة لاعب الوسط الواعد جداً كالوم هودسون أودو (17 عاماً) تعد مثالاً صارخاً على إهدار تشيلسي لمواهبه فقد ظل اللاعب حبيس مقاعد البدلاء حتى تنبه له بايرن ميونيخ وقام بالسعي لضمه وقتها فقط تنبهت إدارة تشيلسي لحجم الخسائر التي تحدث بسبب الاستغناء عن لاعبيها الموهبين وتمسكت باللاعب ولكن دون منحه فرصة حقيقية أيضاً.
ويكفي أن نعلم أن التشكيلة التي فازت بكأس العالم تحت 17 عاماً في الهند عام 2017 كانت تضم 4 لاعبين من تشيلسي، مقابل 3 لاعبين في تشكيلة منتخب إنكلترا بطلة العالم تحت 20 عاماً في العام ذاته لندرك حجم اللاعبين الواعدين الذين يخرجهم تشيلسي سنوياً.
هل ساري هو الرجل المناسب؟
وأخيراً يبقى السؤال، وهو هل ماوريتسيو ساري هو رجل المرحلة في تشيلسي؟ وهل هو قادر على إخراج الفريق من كبوته وهل لازال يسيطر على الفريق وعلى غرفة الملابس أم أن اللاعبين بدأوا يشعرون أن مصيره سيكون الإقالة السريعة خاصة بعد أن تلقى الفريق 6 هزائم حتى الآن في الدوري منها هزيمتين مدويتين أمام بورنموث (4-0) ومانشستر سيتي (6-0).
ساري قاد تشيلسي حتى الآن في 44 مباراة فاز في 28 مباراة وتعادل في 7 وخسر 9 (نسبة فوزه بلغت 63.64%).
تشيلسي مع كونتي وعقب نهاية المرحلة 26 من الموسم الماضي كان في المركز الرابع برصيد 50 نقطة، ومع ساري حالياً وبعد 26 مباراة فإن البلوز في المركز السادس وبنفس الرصيد (50 نقطة) وهو أمر يوضح أن تشيلسي أصبح غير قادر على مجاراة الثلاثي الكبير (ليفربول وسيتي وتوتنهام) إذ أن الفارق بينه وبين توتنهام حالياً مثلا 10 نقاط، ناهيك عن أن الفريق أصبح يقدم كرة هجومية متواضعة ويواجه صعوبة شديدة في خلق الفرص الحقيقية لإحراز الأهداف بجانب سهولة اختراقه سواء من الجانبين أو من وسط الملعب.
في الموسم الحالي وحتى الآن سجل تشيلسي 45 هدفاً واهتزت شباكه 29 مرة، وهو أضعف خط هجوم بين الستة الكبار على لائحة جدول الترتيب.
معطيات كثيرة تؤكد أن تشيلسي يعاني إدارياً وفنياً في آن واحد فهل سيتم التدخل السريع من قبل مالكه أبراموفيتش أم أن الأمور ستتجه للأسوأ مع نهاية الموسم الحالي؟