إرسال ساحق من الجزائرية إيناس إيبو ضد ثيم: "لا نريد منك شيئاً"
"خطأ مباشر" من دومينيك ثيم و"ارسال ساحق" من النجمة الجزائرية ايناس ايبو.
"لقد رأيت لاعبين في الدورات الدولية (ITF) لا يلتزمون 100٪. كثير منهم غير محترف. لماذا يجب أن أعطيهم المال"، هذه بعض من كلمات النمساوي دومينيك ثيم المصنف ثالث عالميا ردا على اقتراح نوفاك دجوكوفيتش بإنشاء صندوق لمساعدة لاعبي التنس خارج نادي المئة نتيجة فقدانهم لمداخيلهم في ظل جائحة كورونا وتوقف البطولات.
ثيم، الذي كسب من التنس ٢٥ مليون دولار، وهو بين أفضل ١٥ لاعبا دخلا في العالم وأفضلهم مستوى، لم يحتسب في تصريحه أن جائحة كورونا عصفت بأرزاق الناس في كل حدب وصوب والمأساة التي خلفتها تتخطى تقييم هذا المستوى أو ذاك.. هي مأساة إنسانية بامتياز، تجاوزها يتطلب تضافر الجهود طوعيا، علما أنه ذكر أن المساعدات يجب أن تمنح إنما لمن يستحقوها على حد قوله.
كلمات ثيم حركت الشارع الرياضي والإنساني، ففي وقت يتسابق المجتمع الرياضي عموما بإطلاق المبادرات الإنسانية كل في مجاله وحسب قدراته، بدا اللاعب البارع على ضفة أخرى، فجاءه الرد على موقفه من عدة رياضيين مثل نيك كيريوس الذي قال: "ما زال (دومينيك) لا يفهم الموضوع.. يجب أن نساعد المحترفين وغير المحترفين، ضع نفسك مكانهم".
وكان نوفاك دجوكوفيتش ورافاييل نادال وروجيه فيدرير اقترحوا منتصف أبريل الفائت خطة لمساعدة من هم خارج نادي المئة (رجالا وسيدات) بإنشاء صندوق لمساعدتهم ماليا في ظل توقف البطولات بسبب كورونا.
وبالتزامن أعلنت روابط واتحادات التنس العالميةATP -WTA - ITF ومنظمو البطولات الكبرى عن خطط لإنشاء صندوق لمساعدة اللاعبين الأقل تصنيفا.
وأتى ذلك على خلفية أن السواد الأعظم من لاعبي التنس لا يملكون دخلا ماديا إن لم ينافسوا في البطولات، فلا مداخيلهم السابقة ومدخراتهم تساعدهم على الاستمرار لمحدوديتها أصلا، ولا ترعاهم شركات عالمية ولم يبرموا اتفاقات ترويجية وليسوا من أصحاب الإيرادات عبر حسابات التواصل الاجتماعي أو غير ذلك.
وفي ظل هذه الأزمة برزت معاناة وقصص إنسانية لعديد من اللاعبين واللاعبات الذين يعانون للاستمرار ومنهم لجأ لأعمال بسيطة للبقاء على قيد الحياة.
إرسال ساحق عربي
الرد الأبرز على ثيم جاء من لاعبة التنس الجزائرية الشابة الطموحة ايناس ايبو برسالة مؤثرة نشرتها في فيديو عبر انستغرام تحت عنوان "رسالة مفتوحة إلى دومينيك ثيم"، مما تقول فيها "نحن لسنا هنا بفضل أموالك..لا نحتاج منك شيئا.. فقط بعض الاحترام لتضحياتنا" مظهرة مدى احترافيتها رغم هول الصعوبات بخلاف ما ادعاه ثيم عن فئتها عموما أنهم ليسوا محترفين.
ففي فيديو مدته ٩.٢٢ دقائق، أدلت النجمة الجزائرية المكافحة البالغة ٢١ عاماً بدلوها، تكلمت من دون تكليف بصوت كل لاعب ولاعبة تنس عناهم ثيم وصوت كل إنسان بالأحرى، وصوتها كان أكثر وقعا من مكانة النمساوي وأشد تأثيراً من صيته الذائع، فقبل أن يصبح هذا أو ذاك لاعب تنس، نحن بالأساس بشر قيمتنا لا تحددها حفنة أموال أو شهرة أو أضواء.. التنس مرحلة من الحياة أما الإنسانية فهي الحياة.
وكشفت إيبو في رسالتها النموذجية عن قصة نشأتها في الجزائر ونضالها وتضحياتها لتصبح لاعبة تنس دون أدنى مقومات الدعم، وأوضحت كيف أصبحت لاعبة متفوقة في ظروف لا تمت لرياضة التنس بصلة.
وتحدثت ايناس عن نشأتها في عائلة متواضعة جدا وليس لها علاقة بالتنس أبدا، وكيف وقعت في غرام هذه الرياضة منذ أن أمسكت بالمضرب وهي طفلة السنوات الست، متسائلة ماذا لو كانت في ظروف مختلفة قبل أن تقول إنها تأكدت الآن كم هي محظوظة بأهلها وأن لا شيء في هذه الدنيا يعادل قيمتهم.
وأرفقت إيناس كلامها بصور مختلقة من مدينتها تظهر أماكن التدريب المتواضعة ونشأتها البسيطة وبعض من صور أهلها ومسيرتها التصاعدية ومثابرتها، شاكرة لهم دعمهم الكبير لمواصلة حلمها.
ومما أشارت إليه أنها كانت تتدرب على الضربات الخلفية في الصالة الرياضية (جيم) حين يكون الطقس ممطرا، موضحة أيضاً أنها لم تكن تعرف أصلا ما هي الأرضية التي تتدرب عليها، أهي ترابية أم عشبية في إشارة إلى تواضع المرافق، لكن ذلك لم يثنها عن مطاردة حلمها وتحقيق النجاحات. وتطرقت إلى معاناتها في السفر والمشاركة في البطولات والحصول على التأشيرات حيث تحتاج تقريبا إلى ذلك في كل سفرة والأمر يزيد الأعباء المادية.
"عزيزي دومينيك.. لا نريد منك شيئا"
واستهلت اللاعبة الطموحة رسالتها بـ "عزيزي دومينيك، بعد قراءة تصريحك الأخير، كنت أتساءل عما كان يمكن أن تكون مسيرتي المهنية وبالتالي حياتي إذا كنت مكانك. نعم، كيف ممكن أن تبدو دومينيك ثيم؟".
وأضافت: "ولكن بعد كل شيء، حتى لو لم يكونوا أهلي مدربين، يمكننا على الأقل الاعتماد على المرافق المحلية! هل تعلم أن في الجزائر اللاعبين الناشئين نادرون جدًا؟ وليس هناك أي حدث ITF Pro أو ATP أو WTA واحد. لا يوجد مدرب واحد على المستوى الدولي. ولا يوجد حتى ملعبا مغلقا واحداً".
وتابعت متحدثة عن كفاحها: "لكن لا تفهمني خطأ. لم يمنعني هذا من شق طريقي الخاص بل وحتى أن أصبح من أفضل لاعبات العالم في سن الرابعة عشرة. لقد فزت بأول نقاط WTA (رابطة المحترفات) من خلال الفوز بـ10 آلاف في هذا العمر! مثير للإعجاب، أليس كذلك؟ ومثلك، وصلت إلى تصنيف عال في فئة الـ ITF للناشئين."
وتحدثت افتراضيا عن واقع كان ممكنا ان يكون مختلفا: "لو كنت جزءًا من عالمك السحري في ذلك الوقت، لكنت على الأغلب قد لفتت انتباه العديد من الرعاة وكان الاتحاد سيعتني بي. لكن لم تحدث الأمور بهذه الطريقة. الرعاة؟ شركة اديداس؟ نايك؟ ويلسون؟ برنس؟ هيد؟ إنهم حتى غير موجودين في الجزائر. بمعزل عن قليل من المعدات والدعم من الشركات المحلية الصغيرة، لم أحصل إلا على الحد الأدنى لتغطية مشاركتي في -سلامز- الصغار Slams ".
ورغم كل الصعاب وإصابتها في فترة حساسة من مسيرتها تابعت اللاعبة الموهوبة شق طريقها بعصامية ملفتة، ونجحت في العودة لتصنيف اللاعبات المحترفات واليوم هي ضمن نادي الـ٦٠٠.
وسألت اللاعبة الجزائرية: "ماذا يعني أن يكون لديك مدرب يساعدك في البطولات؟ مدرب لياقة؟ معالج فيزيائي؟ مدرب ذهني؟ فريق عمل متخصص؟." وطبعا هي امور لم تعرفها ولم تقترب منها في مسيرتها الاحترافية التي كشفت كيف تعاني خلالها من تأمين التذاكر والسفر والسكن بعيدا عن مركز البطولات لتوفير المال والتغيب عن اهلها والبحث عن أرخص التذاكر للتنقل والتأقلم مع معدات غير ملائمة وأنها أحيانا تنهي مبارياتها بحذاء مثقوب.. كما أنها ولتضحياتها "نسيت متى احتفلت مع أهلي بذكرى ولادتي آخر مرة".
وتابعت: "نعم، كل هذه التضحيات جزء من اللعبة، لكن لا يزال الملعب يحدد مسيرتي المهنية وليست الأموال. هذا غير عادل على الإطلاق. (توصيف ثيم أنهم غير محترفين) أنا أتعامل مع ذلك كل يوم دون أن أشكو، أقاتل باستمرار كل يوم بصمت".
وأضافت إيبو "عزيزي دومينيك، على عكسك، يتشاطر الكثيرون واقعي. مجرد تذكير ليس بسبب أموالك استمرينا حتى الآن. ولم يطلب منك أحد أي شيء. المبادرة جاءت من لاعبين كرماء أظهروا تعاطفا فوريا وبأناقة. يتوق اللاعبون لنشر التضامن وإيجاد الحلول وإحداث الفرق. هم أبطال مهما كان الثمن. "
وختمت الشابة المكافحة: "دومينيك، هذه الأزمة غير المتوقعة تضعنا في وقت صعب وتكشف من نحن حقًا. مساعدة اللاعبين تدعم التنس للنجاة. اللعبة نبيلة. معنى الرياضة هو التمييز بين الأكثر موهبة، والأكثر ثباتًا، والمثابرون بجهد، الأكثر شجاعة. أو ربما تريد اللعب بمفردك على الملعب؟ دومينيك قلت لك أننا لم نطلب منك شيئًا منك، فقط القليل من الاحترام لتضحياتنا. اللاعبون مثلك يجعلونني أتمسك بأحلامي. رجاء لا تحطمها ".
دعم رئاسي
وحظيت رسالة ايناس بدعم رئاسي جزائري إذ غرد الرئيس عبد المجيد تبون عبر تويتر قائلا: "لا يمكن للجزائر أن تُضيّع موهبةً رياضيةً مثل إيناس إيبو وهي في مقتبلِ العمر و زهرة العطاء، في اختصاصٍ نادرًا ما ينجبُ جزائريين يبرعون فيه.عاجلاً، ستتكفل وزارة الشباب والرياضة بانشغالك. كل دعمي ومساندتي وتمنياتي لك بالنجاح ان شاء الله."
فينوس: أنت بطلتي
وأثارت رسالة ايناس نجوم اللعبة، فكانت تعليقات متنوعة مثل النجمة الاميركية فينوس وليامس المتوجة بـ٧ بطولات كبرى والتي علقت على انستغرام: "أنت بطلتي".
وردت ايناس على الدعم الرائع: "كنت أيضا دائما بطلتي، والآن أنت أكثر من ذلك بالنسبة لي، شكرا جزيلا فينوس وليامس #أسطورة".
السطر الأخير
إيناس وبإرسال ساحق، كسبت القلوب بأناقة أدائها العصامي وعنفوان أصالتها وبيئتها، وكما قالت مثلها الكثيرون حول العالم بل المناضلون هم الأكثرية في كل المجالات.. وفي النهاية يبقى صوت الإنسانية الحالمة المكافحة الأكثر صدى وعابرا للقارات.. وإيناس، صوتُك عبر الحدود والعقول والقلوب.