مونديال 2015: قطر تبهر العالم شكلاً ومضموناً
لم يقتصر عنوان التألق القطري في مونديال 2015 على شعار "جودة التنظيم" بل إنّ سواعد "العنابي" دخلت التاريخ من بابه الكبير.
باسم السالمي
مع وضع الترقب الذي يسبق بطولة العالم لكرة اليد 2017 والتي ستحتضنها فرنسا "العريقة" بعد أيام قليلة، تغازلنا ذكريات ماض جميل في بطولة "قطر 2015" والتي كانت مبهرة بكل المقاييس وعلى كافة الأصعدة، حيث زيّنت "سواعد العنابي" الجهود القطرية المضنية تنظيمياً بصورة ختامية رائعة مع وصول رجال المدرب الإسباني المحنك فاليرو ريفيرا إلى موعد النهائي، حيث أنهوا البطولة برأس مرفوع، كيف لا وهم من أسالوا العرق البارد لمنتخب "الخبراء" الفرنسي قبل أن يتوّج الأخير بلقبه الخامس عالمياً، وهو رقم قياسي.
ومن منطلق استرجاع سريع لأبرز أحداث البطولة، لا يمكن أن نغفل بأنّ محور الاهتمام كان حكراً على تشكيلة المنتخب القطري، التي لم تفاجئ بمردودها المنتخبات المشاركة فحسب بل امتدّ لمتابعي البطولة ومحبي كرة اليد عموماً، الذين اكتشفوا إمكانات هائلة في منتخب كان عادياً على المستوى العالمي، قبل أن يلبس "حلة الكبار" بجدارة.
زاركو ماركوفيتش، رافاييل كابوت، سيباستيان رواني، بورخا فيدال، كمال ملاش بالإضافة إلى حارس برشلونة الإسباني العملاق دانييل ساريتش، هي أسماء سطعت في سماء البطولة، وقدّمت عروضاً رائعة ذهب ضحيتها عدد من أبرز منتخبات العالم ممّن تمتلك تاريخاً عريقاً في اللعبة على غرار ألمانيا التي ودّعت أمام "العنّابي" في الدور ربع النهائي (26-24) ومن ثم بولندا في نصف النهائي (31-29)، وكان قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة بكبير القوم في اليد العالمية، منتخب فرنسا في النهائي لولا نقص الخبرة (25-22).
برغم خسارة النهائي، فإنّ قطر ربحت منتخباً بإحداثيات عالمية، حجز لها مكاناً ضمن كبار اللعبة، حيث بدأ الجميع يحسب لمنتخب فاليرو كل حساب، كيف لا وهو من كان أول منتخب يبلغ النهائي من خارج قارة أوروبا في تاريخ بطولات العالم، كما أنّه حيّن تواريخ التميّز العربي في مونديال اليد، حيث كان أول من يصل محطة النهائي، بعد أن نجحت مصر في بلوغ نصف النهائي وحلّت رابعة في نسخة فرنسا 2001، وجاءت بعدها تونس التي دوّنت الإنجاز ذاته في 2005 عندما استضافت الحدث على أرضها.
"رباعي" عربي خيّب التوقعات
بعكس كافة التوقعات، قدّمت المنتخبات العربية الأربعة باستثناء قطر دولة الضيافة، وهي تونس ومصر والجزائر والسعودية، مردوداً مخيّباً في المجمل في نسخة 2015، نظراً لكونها كانت مرشحة للظهور بشكل مميّز باعتبار أنّ البطولة على أرض عربية، وهو ما يعني مساندة جماهيرية كبيرة، ولئن كان ذلك ما حدث فعلاً غير أنّ النتائج لم تساير "حناجر" المشجعين الذين أثثوا البطولة بأجوائهم الاحتفالية الرائعة وأهازيجهم الصاخبة التي منحت البطولة رونقاً خاصاً.
ولئن كانت محصلة مصر (المركز الرابع عشر) وتونس (الخامس عشر) في ترتيب منتخبات البطولة الـ 24 أقلّ خيبة، فإنّ الإخفاق الحقيقي كان من نصيب الجزائر الذي تذيّل ترتيب المنتخبات المشاركة والسعودية التي جاءت في المركز الثاني والعشرين.
تاريخ جديد لجيل فرنسي عظيم
يستوجب الحديث عن إنجازات المنتخب الفرنسي لكرة اليد مجلداً كبيراً لاستيعاب ما حققه جيل ذهبي من ألمع النجوم في العالم، يقودهم العملاق نيكولا كاراباتيتش والأسطورة "حارس القرن" تييري أوميير ونخبة من المواهب الأخرى، التي توجّهها دكّة فنية على أعلى مستوى يقودها "فيلسوف" اسمه كلود أونيستا، مهندس الإنجازات العديدة، الذي بدأ بتوريث فلسفته المتفردة شيئاً فشيئاً للحائط البشري في صفوف "الزرق" سابقاً، ديدييه دينار، المرشح لمنصب المدرب الأول بعد مغادرة "الهرم" أونيستا.
5 ألقاب من جملة 20 مشاركة في بطولات العالم، و3 ألقاب من 12 مشاركة في بطولة أوروبا، وميداليتين ذهبيتين من 7 مشاركات في دورات الألعاب الأولمبية.. فعلياً، المنتخب الفرنسي قام بغزو ربع البطولات العالمية في لعبة كرة اليد، وليس ذلك بعجيب، لأنه باختصار منتخب "الخبراء".
غاييتش الهداف وأوميير الأفضل بلا ريب
فاجأ الجناح الأيمن السلوفيني دراغان غاييتش، أعتى الأسماء العالمية على أرض الدوحة، عندما توّج بجائزة أفضل هدّاف في البطولة بإحرازه 71 هدفاً، وهو ما خوّل له اجتياح سباعي العالم عند نهاية البطولة بأحقية.
نجم فشبريم المجري حالياً، الذي خاض 5 مواسم متتالية مع مونبيلييه (2011-2016) وصاحب الـ 32 عاماً، كان له الفضل الأكبر في إيصال منتخب بلاده إلى عتبة المركز الثامن على لائحة البطولة، وهو ما سمح لسلوفينيا بالترشح للتصفيات المؤهلة إلى أولمبياد ريو 2016.
إن كان غاييتش حاز شرف الهدّاف الأفضل، فإنّ عملاق الحراسة العالمية تييري أوميير (40 عاماً)، كان بلا أدنى منازع أفضل لاعب في البطولة لما قدّمه من عطاءات غزيرة بوّأت فرنسا التاج العالمي الخامس على أرض الدوحة بعد سنوات 1995 بأيسلندا و2001 بفرنسا و2009 بكرواتيا و2011 بالسويد.
الدوحة ترفع السقف التنظيمي عالياً
أثنى كل زوّار بطولة العالم لكرة اليد قطر 2015، على المستوى التنظيمي العالي الجودة، سواء من خلال الصالات المؤثثة بأحدث التجهيزات والمرافق ذات الخدمات المتنوعة والأجواء الجماهيرية الرائعة التي أضفت روحاً خاصة على المنافسات.
هذه المعطيات تركت حملاً ثقيلاً على فرنسا التي تستعدّ لتقديم عرض يوافق مستوى الإبهار الذي عاشته الجماهير قبل عامين في قطر.