بالصور- يومٌ ذُلّ فيه برشلونة
سقط بطل أوروبا بالأربعة على يد "خصم مُواطن" جرّده صفات العملقة وسقاه من كأس الإهانة.
باسم السالمي
انقلب السّحر على الساحر، فكانت اللعنة شديدة السطوة.. لعنة خلّفت سقوطاً مهيناً للكبير الكتالوني من الدور الرابع لعمارة الفنّ الباسكي في ذهاب السوبر الإسباني، فكان وقع الصدمة هائلاً واستوجب الأمر لفهمها، ضرورة التوقّف، عندما حصل في ليلة بيلباو "الظلماء" على بطل الرباعية، الذي لم يفهم شيئاً فيما يبدو. ليس من العيب أن يسقط كبير القوم، ولكنّ السقوط بعينه له أخلاقيات، فالسقوط لا يعني الإنهيار، ولا يعني فقدان الكبرياء ولا أيضاً المسّ من الشرف، ولكنّ فريق إنريكه ضرب بكلّ هذه التعريفات عرض الحائط، في مباراة تبدو مسبّبات ما آلت إليه كثيرة، ولكنّنا حاولنا حصرها في النقاط التالية: بوادر كارثة السقوط المدوّي لبرشلونة بتلك الطريقة المهينة، لم يكن منتظراً بتلك الشاكلة، ولكن حتماً كان من المرتقب أن يعاني فريق إنريكه كثيراً عقب شوطٍ ثانٍ "فضائحيّ" أمام إشبيلية في موعد السوبر الأوروبي، حيث تكبّد أربعة أهداف كاملة كادت تودي بحلم السوبر القاري لولا تدخّل البديل بيدرو رودريغيز في الدقيقة 115 الذي أهدى رابع الألقاب لفريقه في موسمه الذي كان يبدو تاريخياً. العرض الهجومي المبهر لزملاء ميسي في نزال إشبيلية، وتحديداً في الشوط الأول، لم يُنسِ الملاحظين المعاناة الكبيرة التي عاشها النادي الكتالوني في جميع خطوطه في الشوط الثاني وفي الحصص الإضافية، جرّاء انهيار اللياقة البدنية بشكل ملفت وغير معهود، بالإضافة إلى تيه خط الدفاع كاملاً. هذه الاستنتاجات جعلت البعض يلمّح إلى عسر قادم في مواجهة بيلباو وإن لم يكن أحد يتوقّع المهزلة التي حدثت بالأمس، بيد أنّ بوادر الإخفاق كانت حاضرة. بلبلة بيدرو عامل آخر ساهم في عرقلة تحضيرات الـ"بلاوغرانا" لموعد السوبر المحلّي، ويتمثل قطعاً في قضية الساعة المتعلقة بقضية انتقال بيدرو رودريغيث من عدمها، هذا المسلسل الذي طال عدد حلقاته، دون معرفة أيّ بصيص لمآل اللاعب. حالة التذبذب الحاصلة بين إدارة النادي والمدرب إنريكه وبيدرو، وتضارب المصالح ووجهات النّظر في ما بينهم، أثّر سلباً على مردودية الفريق وساهم في تشتيت تركيزه على الحدث الأهم ألا وهو لقاء بيلباو، وهو ما جرّ برشلونة إلى فخ الاستهانة بمنافسه ووصيفه في كأس الملك، الذي كان مدفوعاً بمحفّزات عدّة منها ردّ دين خسارته بالثلاثة في نهائي الكأس وبالخمسة في الدوري، وهو ما نجح في بلوغه حتى الآن. سان ماميس.. مقبرة جماعية الشكل الذي ظهر عليه البرصا في "سان ماميس" أظهر وكأنّ الفريق بأكمله برفقة مدرّبه في حال عجز كامل على كافة المستويات سواء فنياً أو بدنياً أو معنوياً وخاصة ذهنياً، فالعرض كان قاتماً بما يكفي لتكبّد رباعية مستحقّة ومع الرحمة ودون تحريك أيّ ساكن في المقابل. من أكثر ما يثير مخاوف إنريكه انهيار "الجانب الذهني" الذي يعتبر أساسياً للخروج من مثل هذه المآزق الفنية التي تمليها سيناريوهات أي مباراة. هذه المخاوف لها ما يبرّرها في الحقيقة لأنّ لاعبي برشلونة وبرغم ميزانهم الثقيل من حيث الخبرة والحنكة، فإنّهم سرعان ما يدخلون في مرحلة الشك في إمكاناتهم، ولا يجدون مخلّصاً للخروج من حالة الفراغ، وهو ما يجرّهم إلى الإنهيار، وهو أيضاً ما تثبته مباريات عديدة حصلت في تاريخ النادي نذكر من أبرزها، سباعية بايرن ميونيخ الألماني، الشهيرة في دوري الأبطال، وكأنّ أداء البرصا هو بمثابة الجسد الواحد الذي إذا مرض فيه عضو تأثّرت به سائر الأعضاء، فالحال يكون إمّا سمفونية جماعية أو نشازاً كاملاً، ولا حلّ وسطيّ بينهما. من جانب آخر، لم تكن لمسة الـ"تشولو" موفّقة من ناحية التحويرات، حيث كان التعويل على ثنائي الوسط رافينيا ألكانتارا وسيرجيو روبيرتو مكان الثنائي الأكثر تجربة، أندريس إنييستا وإيفان راكيتيتش، قراراً جريئاً وغير محسوب العواقب، حيث خسر برشلونة معركة الوسط بشكل كامل ما سمح لأصحاب الأرض بتقديم عرضهم الخاص. تدخّل طارئ بالعودة إلى بعض الجوانب الفنية، يبرز بوضوح أنّ مشاكل الفريق الدفاعية لم تعد تخفى على القاصي و الدّاني، فعلى الرغم من تعويل إنريكه على الثنائي توماس فيرمايلين ومارك بارترا كمعوّضين لجيرارد بيكيه وجيريمي ماتيو الذين خاضا لقاء السوبر الأوروبي، لم يحدث ذلك أيّ تحسّن، فقد تواصلت مشاكل سوء التمركز الدفاعي في التفاقم في ظلّ عدم الانسجام الواضح بين مكوّنات الخط الخلفي. هذا الطّرح الأخير يؤكّده أكثر من خطأ حصل في مواجهة أتليتك بيلباو، ومنها الهدف الثاني، الذي تفوّق فيه أريتس أدوريث (نجم اللقاء وصاحب ثلاثية) على متوسط ميدان البرصا المتأخّر خافيير ماسكيرانو الذي حاول معالجة هفوة دفاعية كان من المفترض أن يقوم بعلاجها ثنائي المحور أي فيرمايلين أو بارترا، ولكنّ هذا لم يحصل ما كلّف الفريق هدفاً رأسياً حسم أمره فارق الطول بين أدوريث وماسكيرانو. سوء الانتشار والتمركز والعشوائية والسذاجة الدفاعية عراقيل تظهر أيضاً في الهدفين الثالث والرابع الذي تحمّل فيهما الجناح البرازيلي دانيال ألفيش مسؤولية كاملة، بداية بتقديمه كرة على طبق لأدوريث، بعد تشتيت سيّء للكرة، ومن ثمّ تسبّبه في ركلة جزاء بعد تصرّف غير مسؤول داخل المنطقة على المدافع خابيير إتشييتا. ما من حلّ أمام برشلونة لإصلاح أوضاعه إلاّ باستغلال ما تبقّى من أيام في الميركاتو الصيفي لاستقدام مدافع محوري آخر يعزّز به مناعته الدفاعية التي أضحت سهلة الاختراق بالنسبة لجميع الفرق في ظلّ السمعة السيّئة التي تحظى بها. وإن لم ينجح إنريكه في استقدام الإسم المناسب لمعالجة الإخلالات الحاصلة في خط ظهره المنكسر، فسوف يكون عليه تحمّل عدّة عقوبات قاسية من منافسين أكبر حجماً وقيمة على المستويين المحلّي أو القارّي في الموسم القادم، حيث تكون التحدّيات من العيار الأثقل. هل منح تير شتيغن صك العودة لبرافو؟ كما لا يمكن أن نغفل على مردود الحارس الألماني مارك أندريه تيرشتيغن الذي ما يزال يفتقر للخبرة اللازمة لتحدّيات فريق في حجم برشلونة، وهو ما قد يستدعي عودة سريعة للأكثر تجربة، الحارس التشيلي كلاوديو برافو، المتوّج بلقب كوبا أميركا مع بلاده 2015. ليلة الجمعة، لم تكن سيّئة على المستوى الجماعي فحسب بالنسبة للحارس الألماني اليافع، بل كانت أسوأ فردياً أيضاً، حيث عادل تيرشتيغن الرقم القياسي المسجّل باسم الحارس السابق للبرصا (2000-2002) خوسيه مانويل ريينا، بقبول شباكه لثمانية أهداف كاملة في مباراتين متتاليتين. تاريخ في مهبّ الرياح بفريق منقوص من عدّة أساسيين نذكر أبرزهم إيكر مونيايين وأندر إيتوراسبي وميكل ريكو وغيرهم، نجح بيلباو في خدش حياء برشلونة بمخلبه الحاد، كما ألحق به أكبر هزيمة تاريخية له في المسابقة، بل وبخّر حلم سداسيته التاريخية الذي بذل الغالي والنفيس في سبيل تحصيلها. قد يذهب بعضهم إلى أنّ الكرة بطبعها مستديرة ووفقاً لفطرتها فإنّ أحوالها دوماً متقلّبة، وهو ما نصادق عليه بأصابع اليد العشرة، ولكنّ الظروف الراهنة في قلعة كبير الإقليم لا توحي بردّ فعل جارف قد يعيد حلم السداسية إلى التحقّق بعد حال "شبه التبخّر"؟