السلسلة الأولمبية 21-الدورة الحادية والعشرون 1976- سوء تخطيط كندي ومقاطعة أفريقية
لم تقدم كندا دورة أولمبية على قدر المأمول رغم تخصيصها موازنات ضخمة عصف بها سوء التخطيط فبقيت تدفع الثمن حتى عام 2006!
زاهر الحلو
استضافت مونتريال الكندية النسخة الحادية والعشرين من دورة الألعاب الأولمبية الصيفية وسط مقاطعة أفريقية واسعة بسبب السماح بمشاركة نيوزيلاندا في الألعاب على اعتبار حضورها مسابقة رياضية في جنوب أفريقية العنصرية.
جرت الدورة ما بين السابع عشر من تموز/يوليو والأول من آب/أغسطس العام 1976 وسط تشديد أمني كبير على خلفية أحداث ميونيخ فأنفق حوالي 100 مليون دولار للتأمين على الوفود. افتتحت الدورة الملكة إليزابيت الثانية وردد الربّاع الكندي بيار سان-جان القسم الأولمبي وموريس فورجيه القسم الرسمي، فيما أضاء الشعلة ستيفان برفونتين وساندرا هاندرسون. أما تعويذة الدورة فكانت "أميك" وهي عبارة عن نوع من القوارض.
إقرأ أيضاً
السلسلة الأولمبية-أميركا ترفض السقوط في نسخة أمنية
السلسلة الأولمبية-المكسيك تطلق بايمون والفوسبري
السلسلة الأولمبية-اهتزاز عرش القوى الأميركية
السلسلة الأولمبية: المقاطعات تعصف بدورة ملبورن
السلسلة الأولمبية – العملاق السوفياتي يسجل حضوره
السلسلة الأولمبية - لندن تخرج العالم من أتون الحرب
السلسلة الأولمبية- عظمة ألمانيا في نسخة عنصرية
السلسلة الأولمبية- أميركا تبهر وترفع السقف عالياً
السلسلة الأولمبية-هولندا تنال حظوتها وكوبرتان يغيب
السلسلة الأولمبية-نسخة طرزان والفنلنديين الطائرين
سوء تخطيط
تم اختيار مونتريال لاستضافة الألعاب في المؤتمر التاسع والستين للجنة الأولمبية الدولية في الثاني عشر من أيار/مايو 1970 في العاصمة الهولندية أمستردام وسط منافسة بين ثلاث مدن فقط هي العاصمة السوفياتية موسكو ولوس أنجليس الأميركية.
تفوقت موسكو بالدورة الأولى بنيلها ثمانية وعشرين صوتاً مقابل ثلاثة وعشرين لمونتريال وسبعة عشر للوس أنجليس، لكن في الدورة الثانية زاد التأييد للمدينة الكندية فنالت واحد وأربعين صوتاً مقابل ثمانية وعشرين لموسكو.
واجهت الدورة قبل رؤيتها النور أي في مرحلة الاستعداد والتحضير لها العديد من المشاكل أبرزها سوء في الإدارة والتقدير الماديين، إذ كلف بناء الصرح الأولمبي الرئيسي مليار دولار في حين أن الكلفة المقدرة كانت لا تتخطى ثلث هذا المبلغ فنتج عن ذلك توقف عن العمل فترات طويلة وتراكم وتأخير كبير. فكان أن شكلت لجنة تحقيق قضائية للنظر بالموضوع ترأسها القاضي ألبرت مالوف وخلصت التحقيقات في توجيه اللوم بقوة إلى عمدة مونتريال جان درابو وقد نشرت التحقيقات في العلن عام 1980.
نتيجة لسوء الإدارة هذا انطلقت الدورة العام 1976 ولم تكن كامل منشآت الصرح الاولمبي قد اكتمل بناؤها بعد، فالبرج الأولمبي المائل المؤلف من ثمانية عشر طابقاً بطول 168،40 متراً لم يكن قد بلغ نصف هذا الارتفاع، والعشب الذي كسا الملعب الرئيسي لم يُمد إلا في اليوم الذي سبق افتتاح الدورة أي في السادس عشر من تموز/يوليو وفعلياً لم توضع اللمسات النهائية على تشييد هذا الصرح إلا العام 1987. أما مالياً وبغرابة ملفتة لم يتم الانتهاء من تسديد الدين العقاري للبنوك الذي بموجبه بنيت المنشآت، إلا عام 2006!!!
لكن بالرغم من كل تلك العثرات جاء حفل الافتتاح صاخبا وحاشدا جماهيرياً، فشاهده حوالي سبعين ألف متفرج بحضور الملكة إليزابيت الثانية التي كانت ملكة عن ستة عشر دولة مستقلة ورئيس الكومنولث، وبيار إليوت تريدو رئيس الحكومة الكندية، ورئيس اللجنة الأولمبية الجديد آنذاك اللورد الأيرلندي كيلانين الذي خلف الأميركي افري برانديج، وعمدة مونتريال جان درابو الذي لاقى ترحيباً حاراً من الجماهير.
خلافأً للدورات السابقة أضاء شخصان الشعلة الاولمبية هما ساندرا هندرسون ابنة الـ15 عاماً من تورنتو وستيفان بريفونتين ابن الـ16 عاماً من مونتريال وكلاهما متخصص بألعاب القوى، في مشهد أراد منه المنظمون الدلالة على انصهار شعبي المقاطعتين الكنديتين، بعد ذلك أطلقت آلاف طيور الحمام في إشارة للسلام وأعلن بعد ذلك على لسان الملكة إليزابيت افتتاح الدورة رسمياً.
مشاركة ساعات!
تعويذة نسخة مونتريال
شارك في الدورة 92 دولة منها ثلاث سجلت ظهورها الأول هي أندورا وانتيغا وباربودا وجزر كايمان، لكن الحدث الأبرز تمثل بقيادة الكونغو لمقاطعة للألعاب شارك فيها 32 دولة أفريقية اعتراضا على السماح لنيوزيلاندا بالمشاركة، معتبرين أن الأخيرة التي شاركت في دورة رغبي في جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك لم تكترث لسياسة الدولة الأفريقية التي كانت محرومة من المشاركة الأولمبية بسبب سياساتها التمييزية، فجاء قرار المقاطعة رفضاً للتواجد مع دولة لا تستنكر السياسات العنصرية.
وقد غادرت 22 دولة كندا قبل الافتتاح بساعات، فيما شاركت مصر وتونس والمغرب والكاميرون في بداية الألعاب ثم غادرت في اليوم الثاني، لذا اعتبر العدد الرسمي للمقاطعين 28، أما الدولتان الأفريقيتان الوحيدتان اللتان لم تستجيبا للمقاطعة كانتا السنغال وكوت ديفوار. وقد استغربت اللجنة الأولمبية الدولية هذا القرار على اعتبار أن جنوب أفريقيا محرومة أولمبيا منذ ما يزيد على عشر سنوات (قبل 1976) كما أن الرغبي ليست رياضة أولمبية. ولم تكن هذه المقاطعة الواسعة يتيمة في اولمبياد مونتريال إذ رفضت تايوان المشاركة بعدما لم يسمح لها المنظمون بالمشاركة تحت اسم جمهورية الصين.
مثل هذه الدول 6084 رياضي ورياضية منهم 1260 من الجنس اللطيف، نافسوا في 21 رياضة تضمنت 198 مسابقة، والرياضات هي ألعاب القوى والعاب الماء والقوس والنشاب وكرة السلة والملاكمة وكانوي كاياك ودراجات والفروسية والمبارزة والجمباز وكرة القدم وكرة اليد والهوكي والجودو والخماسي الحديث والتجذيف والإبحار أو الشراع والرماية وكرة الطائرة، رفع أثقال، المصارعة. تصدر السوفيات الترتيب النهائي للميداليات أمام ألمانيا الشرقية والولايات المتحدة الأميركية.
المسابقات الرياضية
شهدت المسابقات الرياضية إضافة ثلاث مسابقات نسائية هي كرة السلة وكرة اليد والتجذيف. وأقيمت الهوكي على الحشيش على أرض اصطناعية للمرة الأولى. أما أكثر الرياضيين والرياضيات بروزاً في هذه الألعاب كانت لاعبة الجمباز الرومانية ناديا كومانتشيا Nadia Comaneci التي منحت بعد أدائها المميز على جهاز المختلف الارتفاع أول علامة كاملة في الجمباز بنيلها 10،0، وفي منافسات الرجال تعرض الياباني شون فوجيموتو لكسر في ركبته بينما كان يؤدي أحد عروضه لكنه أخفى خطورة إصابته للمنافسة مع بلاده في مسابقة الفرق ضد الاتحاد السوفياتي حيث كان النزاع بين الطرفين في أوجه على الذهب.
وبرز الإيطالي كلوس ديبياسي بإحرازه ثالث ذهبية في الغطس على التوالي، شأن السوفياتي فيكتور سانييف Viktor Saneyev الذي نال ثالث ذهبية له في الوثب الثلاثي، وأحرزت البولندية إيرينا سفنسكا Irena Szewinska ذهبية الـ400م وقد بلغ مجموع ميدالياتها في مسيرتها الاولمبية سبعة في مسابقات مختلفة، وحقق الكوبي ألبرتو خوانتورينا Alberto Juantorena أول دوبليه من نوعها في سباقي الـ400م والـ800م، وبات المجري ميكلوس نيميس أول بطل اولمبي، والده كان بطلاً أيضاً، إذ فاز بذهبية رمي الرمح فيما كان والده إيمري بطلاً في أولمبياد 1948 في رمي المطرقة. ونجح الملاكم البرمودي كلارينس هيل في جعل بلاده أصغر دولة في من حيث السكان (53،500 نسمة) تفوز بذهبية في التاريخ الاولمبي.
وسقطت الولايات المتحدة مرة جديدة سقوطاً عظيماً في العاب القوى بحلولها ثانية بست ذهبيات فقط حققها رجالها، خلف ألمانيا الشرقية التي تصدرت بـ11 ذهبية فيما حل الاتحاد السوفياتي ثالثاً بأربع ذهبيات، وجاء تألق الألمان تحديداً في مسابقات السيدات حيث حصدن تسع ذهبيات من أصل أربع عشرة ممكنة، جاءت في مسابقات الـ200م والبدل 4×100م و4×400م، والوثب العالي والوثب الطويل، ورمي القرص والرمح ودفع الكرة الحديدة والخماسية (لم تعد موجودة وباتت سباعية).
وتألق الفنلندي لاس فيرين حاصداً دوبليه الـ5م والـ10 آلاف متر للمرة الثانية بعد اولمبياد ميونيخ 1972، والفرنسي غاي درو الذي بات أول أوروبي يفوز بذهبية الـ110م حواجز والسوفياتية تاتيانا كازانكينا Tatyana Kazankina بفوزها بذهبيتي الـ800م والـ1500م.
أما من حيث الأرقام العالمية فتحقق في ألعاب القوى سبعة أرقام منها خمسة لدى الرجال في الـ800م عبر الكوبي ألبرتو خوانتورينا 1،43،50د، والـ400م حواجز عبر الأميركي إدوين موزس 47،64 ث، والـ3000 م موانع عبر السويدي أندريس غارديرود 8،08،02 د، ورمي الرمح عبر المجري ميكلوس نيميس 94،58 م والعشارية عبر الأميركي بروس جينر 86،18م، واثنين لدى السيدات في الـ400م عبر البولونية إيرينا سفنسكا 49،28 ث، والبدل 4×400 م عبر الفريق الألماني الشرقي 3،19،23 د.
في السباحة تنافست ألمانيا الشرقية والولايات المتحدة الأميركية على الصدارة وليس في الحوض، ذلك أن الأميركيين هيمنوا رجالاً حاصدين 12 ذهبية من ثلاثة عشرة ممكنة، إذ خرقهم بريطاني في سباق الـ200م صدر، فيما هيمنت الألمانيات الشرقيات على ذهبيات السيدات وحصدن إحدى عشرة ذهبية من ثلاثة عشرة ممكنة إذ خرق تلك السيطرة الاتحاد السوفياتي في الـ200م صدر، والولايات المتحدة في البدل 4×100م حرة. وعموماً تصدرت الولايات المتحدة بـ13 ذهبية مقابل 11 لألمانيا الديموقراطية أو الشرقية. الأبرز كان جون نابر John Naber بحصده أربع ذهبيات وفضية وجيم مونتغومري Jim Montgomery بثلاث ذهبيات وبرونزية وأولرايك ريختر Ulrike Richter بفوزها بثلاث ذهبيات.
وفي باقي الرياضات خصوصاً الجماعية منها، استعادت الولايات المتحدة الأميركية زعامة السلة أمام يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي فيما نالت سيدات الأخير أول ذهبية نسائية أولمبية أمام الولايات المتحدة وبلغاريا، ونالت بولونيا ذهبية طائرة الرجال أمام الاتحاد السوفياتي وكوبا، فيما أحرزت اليابانيات ذهبية السيدات أمام الاتحاد السوفياتي أيضاً وكوريا الجنوبية، واستأثر السوفيات بذهبيتي كرة اليد رجالاً وسيدات علماً أن في الفئة الثانية كان الظهور الأول للعبة، وقبضت ألمانيا الشرقية على ذهبية كرة القدم أمام بولونيا والاتحاد السوفياتي، ونالت المجر ذهبية كرة الماء أمام إيطاليا وهولندا، ونالت نيوزيلاندا ذهبية الهوكي أمام أستراليا وباكستان.
نوادر
بطولة مخيبة
خرجت الدولة المنظمة كندا من أولمبياد 1976 بنتائج مخيبة إذا لم تحرز سوى خمس فضيات وست برونزيات، وكانت تلك المرة الأولى أولمبياً التي خرجت فيها صاحبة الضيافة خالية الوفاض من أي ميدالية ذهبية، علماً أن حالتين مماثلتين حصلتا في الأولمبياد الشتوي، الأولى العام 1924 في أولمبياد شاموني الفرنسي، والثانية العام 1928 في أولمبياد سان موريتز السويسري، أما بعد أولمبياد 1976 فتكررت الحالة مرتين شتوياً أيضاً، في أولمبياد ساراييفو الصربي العام 1984 وكالياري الكندي العام 1988، لتتصدر كندا الدول أولمبياً الدول المستضيفة من حيث وضاعة النتائج!
كمال استثنائي
ناديا كومانتشي (1961-...)
كومانتشي وبدت أمامها علامتها الكاملة وكانت وقتها تكتب 1.00 عوضا عن 10.00
لاعبة جمباز رومانية أسطورية، شاركت في أولمبياد مونتريال عن عمر 15 عاماً. باتت حينها أول من حقق النقاط العشر الكاملة وذلك على الجهاز المختلف الارتفاع. نالت بين أولمبيادي 1976 و1980 في موسكو ما مجموعه 9 ميداليات؛ خمس ذهبيات وثلاث فضيات وبرونزية. أخذت شهرتها تذيع منذ بطولة أوروبا العام 1975 حين فازت بأربع ذهبيات.
مع الوقت أعاق نموها البدني أداءها في الجمباز الذي غالباً ما ينجح فيه اللاعبون أو اللاعبات ذوي الأحجام الصغيرة. اعتزلت العام 1981. وبغرابة وبالرغم من تفوقها نالت لقبين عالمين فقط في عارضة التوازن والفرق عامي 1978و1979 على التوالي. تركت رومانيا العام 1989 وانتقلت إلى أميركا حيث تزوجت البطل الاولمبي في الجمباز بارت كونر وعملا سوياً حيث أعطيا دروساً في الجمباز.
شجاعة لا تتكرر
شون فيجيموتو
لاعب جمباز ياباني نافس في اولمبياد مونتريال 1976، تعرض لكسر في الركبة أثناء عرضه على الجهاز الأرضي، لكن بسبب احتدام المنافسة مع الاتحاد السوفياتي على ذهبية مسابقة الفرق أخفى مدى خطورة وصعوبة إصابته، فنافس بركبته المكسورة على جهاز الحلق حيث قدم أداء ممتازاً نال إثره 9،7 الأمر الذي منح بلاده ذهبية الفرق، علماً أن إصابته تفاقمت أثناء مرحلة الهبوط. سئل بعد سنوات عن إمكانية تكرار ما فعله في مونتريال أجاب "كلا لن أكرر ذلك".
إقرأ أيضاً
السلسلة الأولمبية-إعجاز بلجيكي يخلع رداء الحرب
السلسلة الأولمبية – قارات العالم تتآخى في السويد
السلسلة الأولمبية: لندن تسجل نقلة نوعية وقياسية
السلسلة الأولمبية- فوضى وغش وأميركا تكرر خطأ فرنسا
السلسلة الأولمبية- إخفاق فرنسي مدو وحضور لطيف أول
السلسلة الأولمبية- الألعاب الحديثة تشرق من اليونان
السلسلة الأولمبية- كيف أحيا كوبرتان الألعاب مجدداً
السلسلة الأولمبية: ما يجب معرفته عن الحركة الدولية
السلسلة الأولمبية: أساطير الإغريق قيم عابرة للعصور
أسطورة الجمباز
نيكولاي اندريانوف (1952-2011)
لاعب جمباز سوفياتي، تاريخه الأولمبي غني بغنى تاريخ بلاده السابقة، يحمل أكبر عدد من الميداليات الأولمبية بين الرجال في المسابقات المختلفة (15 ميدالية)، كما يحمل العدد الأكبر من الميداليات بين الرجال في المسابقات الفردية (12)، كان في عداد الفريق السوفياتي الذي نال فضية الفرق في أولمبياد ميونيخ 1972 حيث حل رابعاً على أربعة أجهزة في المسابقات الفردية ونال ذهبية الحركات الأرضية وبرونزية الحصان. لكنه في اولمبياد 1976 وصل إلى ذروة عطائه حيث نال فضية ثانية في الفرق وذهبية الفردي العام بفارق شاسع كان الأكبر في 42 عاماً، ثم نال خمس ذهبيات على مختلف الأجهزة. يعتبر لاعب الجمباز الوحيد الذي فاز بثلاث ميداليات على الحصان وبثلاث في الحركات الأرضية أي على الجهاز الأرضي.