السلسلة الأولمبية 18- الدورة الثامنة عشرة 1964- اليابان المذهلة تُدخل آسيا السباق
أرادت اليابان من أولمبياد 1964 إثبات قدراتها للعالم أجمع وتوطيد أواصر السلام والتواصل مع كافة الدول فأتت النتائج على قدر المجهودات المضنية التي بذلتها ووضعت من خلالها آسيا على الخارطة الاولمبية بقوة.
زاهر الحلو
استضافت العاصمة اليابانية طوكيو النسخة الثامنة عشرة من الألعاب الأولمبية من العاشر حتى الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 1964 وسط مشاركة كثيفة وقياسية بسبب الإقبال الزائد لدول من قار أفريقيا.
كانت هذه المرة الأولى التي تستضيف آسيا الاولمبياد فنال قسطاً وافراً من الرعاية الرسمية إذ افتتحه الإمبراطور الياباني هيروهيتو وردد القسم الأولمبي لاعب الجمباز العالمي تاكاشي أونو، فيما أوقد الشعلة التلميذ يوشينوري ساكاي المولود في السادس من آب 1945 تاريخ إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما علماً أنه توفي عام 2014 عن 69 عاماً.
إقرأ أيضاً
السلسلة الأولمبية-اهتزاز عرش القوى الأميركية
السلسلة الأولمبية: المقاطعات تعصف بدورة ملبورن
السلسلة الأولمبية – العملاق السوفياتي يسجل حضوره
السلسلة الأولمبية - لندن تخرج العالم من أتون الحرب
السلسلة الأولمبية- عظمة ألمانيا في نسخة عنصرية
السلسلة الأولمبية- أميركا تبهر وترفع السقف عالياً
السلسلة الأولمبية-هولندا تنال حظوتها وكوبرتان يغيب
السلسلة الأولمبية-نسخة طرزان والفنلنديين الطائرين
السلسلة الأولمبية-إعجاز بلجيكي يخلع رداء الحرب
ساكاي في طريقه لإضاءة الشعلة
نجاح رائع
كانت طوكيو سعت لاستضافة الألعاب الثانية عشرة العام 1940 وفازت بالفعل بشرف احتضان ألعاب 1940 إلا أن اندلاع الحرب السينو-يابانية مع الصين أدى إلى سحب التنظيم من اليابانيين ومنحه إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي لكن مرة أخرى كان للحرب دورها حيث حلت الحرب العالمية الثانية ضيفاً مشؤوماً دمر العالم وشله في جميع قطاعاته وبطبيعة الحال ألغي اولمبياد هلسنكي.
لم تندثر الرغبة لدى اليابانيين في استضافة الألعاب خصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي ألحقت باليابان دماراً عظيماً فأراد أبناء بلاد الشمس التأكيد على قدراتهم بما يشبه التحدي انطلاقا من الذات نحو العالم؛ عليه وبعد النهضة الكبيرة التي شهدتها البلاد بعد نهاية الحرب العالمية على مختلف الأصعدة العمرانية والاقتصادية والتكنولوجية كان لا بد بحسب قناعة اليابانيين العودة للساحة العالمية من خلال الأولمبياد فقدموا ترشيحهم وهم طامحون لتثبيت أقدامهم وإظهار عظمة دولتهم وحبها للسلام.
وبعد ترشحها نجحت طوكيو في الفوز بشرف استضافة الألعاب بعد فوزها بالتصويت الذي أجرته اللجنة الاولمبية في مؤتمرها الخامس والخمسين الذي انعقد في السادس والعشرين من أيار/مايو 1959 في ميونيخ الألمانية وسط ترشح ثلاث مدن غير طوكيو التي نالت في الانتخابات 34 صوتاً مقابل 10 لديترويت الأميركية و9 لاوتريش النمساوية و5 لبروكسيل البلجيكية.
اعتبر اولمبياد طوكيو واحداً من أرقى وأجمل الدورات التي شهدها العالم حتى تاريخه حيث أبدع المنظمون من النواحي الكافة كتنظيم ومنشآت وإقامة وضيافة وود في المعاملة. وكل ذلك ورد في تقارير الصحفيين الذين كانوا هناك ومنهم من نقل ليْت تلك الدورة استمرت ولم تنته، حتى أن رئيس اللجنة الاولمبية آنذاك الأميركي آفري برانديج صاحب الباع الطويل والأكثر خبرة ممن كانوا في طوكيو في الدورات الاولمبية قال إنه لم يشهد أي دورة مماثلة نجاحاً خصوصاً أنه ولأول مرة خلت من جميع الشوائب العنصرية والسياسية بنسبة كبير جداً.
أقيم حفل الافتتاح في إستاد طوكيو الاولمبي الوطني الذي افتتح عام 1958 وأول حدث شهده دورة الألعاب الآسيوية من العام نفسه، وشهد الافتتاح تسعين ألف متفرج والإمبراطور الياباني وجرى خلاله إطلاق 12 ألف بالون من مختلف الألوان و8 آلاف حمامة سلام، كما تم رسم الدوائر الاولمبية التي تمثل العلم الاولمبي في السماء بواسطة طائرات حربية يابانية.
وتميزت الدورة بحضور جماهيري كثيف حتى فاقت التذاكر المباعة المليوني تذكرة، مع لحظ اهتمام الحضور واندفاعه الكبير نحو أحداث البطولة و لدرجة أنه حين هطلت الأمطار بغزارة في بعض الأحيان و كانت المدرجات ممتلئة فكان أن استعان الحضور بالمظلات لمتابعة المنافسة.
شارك في الدورة 93 دولة بينها 14 سجلت ظهورها الأول معظمها من أفريقيا وهي الجزائر والكاميرون والسنغال وتشاد ومدغشقر وساحل العاج والكونغو وروديسي الشمالية (زامبيا اليوم) ومالي وجمهورية الدومينيكان والنيجر ومنغوليا نيبال وتنزانيا (تحت اسم تانزانيكا). وشأن دورتي 1952 و1956 شاركت ألمانيا بوفد موحد بين الشرقية والغربية، في حين غابت جنوب أفريقيا بعد منعها من المشاركة بسبب انتهاجها سياسة عنصرية، واستمر غياب الصين الذي واصلت رفضها المشاركة في دورة تشهد رفع علم تايوان أو الصين الوطنية.
بلغ عدد ممثلي هذه الدول 5151 لاعب ولاعبة و بينهم 678 لاعبة نافسوا على 163 ذهبية انبثقت عن 19 رياضة شملها برنامج البطولة وهي ألعاب القوى والعاب الماء (سباحة وغطس وكرة الماء) وكرة سلة والملاكمة والكانوي كاياك والدراجات والفروسية والمبارزة والجمباز، كرة القدم وهوكي على العشب والخماسي الحديث والتجذيف والإبحار والرماية و رفع الأثقال والمصارعة بالإضافة إلى رياضتين أدرجتا لأول مرة كرة الطائرة بشقيها الناعم والخشن والجودو الرياضة المهمة جدا في الحضارة اليابانية.
المسابقات الرياضية
شأن كل دورة رياضية برز في طوكيو العديد من الأبطال المميزين إذ تمكن السباح الأميركي دون شولاندر من الفوز بأربع ذهبيات ونجح العداء الإثيوبي أبيبي بيكيلا في الفوز بالماراتون للمرة الثانية وهو بات أول من حقق هذا الانجاز و وحافظ السوفياتي فياتشيسلاف إيفانوف على لقبه في فردي التجذيف للمرة الثالثة على التوالي وحذا حذوه آل اوارتر من الولايات المتحدة الأميركية الذي نال لقبه الثالث في رمي الرمح وكذلك فعلت السباحة الأسترالية الشهيرة داون فرايزر بفوزها بثالث ذهبية لها في المئة متر حرة وتألقت السوفياتية لاريسا لاتينينا محرزة ذهبيتين ورفعت رصيدها إلى 18 ميدالية أولمبية متنوعة.
وفي ألعاب القوى استعادت الولايات المتحدة هيبتها وسطوتها الكاسحة التي اهتزت من السوفيات في اولمبياد 1960 فاستطاعت الفوز بـ14 ميدالية ذهبية مقابل 5 فقط للسوفيات واستعاد الأميركيون سيطرتهم على سباقات السرعة من 100م و200م و400م و4*100م و4*400م والـ110م حواجز، كما فازوا ببعض مسابقات الميدان فيما نالوا ذهبيتي السبرنت لدى السيدات التي شهدت لأول مرة اعتماد سباق الـ400م الذي كان ممنوعاً والخماسي الذي نالت ذهبيته السوفياتية ايرينا بريس وتألف من مسابقات الجري 80م حواجز ودفع الكرة الحديدية والوثب العالي وذلك في اليوم الأول فيما شهد اليوم الثاني مسابقتي الوثب الطويل والمئتي متر.
شعار الدورة
وفي كرة السلة شارك 16 فريقاً قسمت على مجموعتين من ثمانية. صعد بنتيجة التصفيات الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية للمباراة النهائية حيث حافظ الأميركيون على وكالتهم الحصرية لهذه المسابقة في ظهورها الاولمبي السادس ونالوا الذهبية بعدما تفوقوا 59-37. لكن الملاحظ في هذه الدورة اقتراب مستوى السوفيات من الأميركيين عكس الدورات السابقة.
وفي كرة القدم شارك فريقان عربيان في طوكيو هما المغرب الذي وقع ضمن المجموعة الثانية إلى جانب يوغوسلافيا ومجر القوية وكوريا الشمالية التي اعتبرت خارج البطولة بعد امتناع بعض اللاعبين منها عن اللعب. وخسر المغرب لقاءيه أمام المجر 0-6 ويوغوسلافيا 1-3.
والفريق الثاني كان مصر والجمهورية العربية المتحدة ووقعت ضمن المجموعة الثالثة إلى جانب البرازيل وكوريا الجنوبية وتشيكوسلوفاكيا. فتعادلت مع الأولى 1-1 و وفازت على الثانية 10-0 وخسرت من الثالثة 1-5 و وصعدت لربع النهائي حيث تخطت غامبيا 5-1 و ثم خسرت نصف النهائي أمام المجر 0-6. وحلت رابعة بخسارتها على المركزين الثالث والرابع مع ألمانيا 1-3 التي كان فريقها كله من اللاعبين الشرقيين و رغم انه مثل ألمانيا الموحدة و فيما أحرزت المجر اللقب بفوزها على تشيكوسلوفاكيا 2-1. واستبعدت إيطاليا من البطولة بداعي احتراف لاعبيها.
ونال العرب في هذه الدورة ميداليتان كانتا من نصيب تونس فضية وبرونزية. الأولى أحرزها محمد غامودي في الجري عشرة آلاف متر والثانية في الملاكمة عبر حبيب غالية في وزن الـ67 كلغ. وبشكل عام تقاسم السوفيات والبولنديون ذهب الملاكمة برصيد ثلاث ذهبيات لكل منهما. وانتزعت اليابان ريادة الجمباز من السوفيات بخمس ميداليات مقابل أربع ونال السوفيات أيضاً أربع ذهبيات في رفع الأثقال و أحرزوا أيضاً ذهبية الطائرة رجالاً ونالت سيدات اليابان الذهبية في فئتهن. وعادت الهند إلى الواجهة منج جديد بعد فوزها بذهبية الهوكي على الحشيش من باكستان التي كانت حاملة اللقب بنتيجة 1-0 في النهائي. واكتسحت الولايات المتحدة السباحة بـ13 ذهبية مقابل 4 لأستراليا.
إقرأ أيضاً
السلسلة الأولمبية – قارات العالم تتآخى في السويد
السلسلة الأولمبية: لندن تسجل نقلة نوعية وقياسية
السلسلة الأولمبية- فوضى وغش وأميركا تكرر خطأ فرنسا
السلسلة الأولمبية- إخفاق فرنسي مدو وحضور لطيف أول
السلسلة الأولمبية- الألعاب الحديثة تشرق من اليونان
السلسلة الأولمبية- كيف أحيا كوبرتان الألعاب مجدداً
السلسلة الأولمبية: ما يجب معرفته عن الحركة الدولية
السلسلة الأولمبية: أساطير الإغريق قيم عابرة للعصور
نوادر
لمعان تونسي
محمد غامودي (1938-...)
عداء تونسي لمع اولمبيا في دورات 1964 و1968 في مكسيكو و1972 في ميونيخ. جمع في مسيرته 4 ميداليات أولمبية؛ ذهبية في أولمبياد مكسيكو في سباق الخمسة آلاف متر وفضيتين الأولى في 10 آلاف متر في طوكيو والثانية في الـ5 آلاف متر في ميونيخ وبرونزية في الـ10 آلاف متر في مكسيكو. يعتبر من العدائين الذين غيروا وجه رياضة المسافات الطويلة إذ بدأت معه السيطرة الأفريقية تتوسع عامياً. لمع أيضاً بدورات البحر الأبيض المتوسط 1963 و1967 و1971.
السباحة الخارقة
داون فرايزر (1937-...)
من أعظم سباحات أستراليا والعالم أحرزت في مسيرتها الاولمبية ثماني ميداليات بينها أربع ذهبيات وهي المرأة الأولى التي حققت هذا الإنجاز. حافظت على لقب الـ100م حرة لثلاث دورات أولمبية متتالية 1956 و1960 و1964، كما نالت ذهبية البدل 4*100م مع منتخب بلادها في دورة 1956، حققت في مسيرتها 39 رقماً قياسياً بينها الرقم القياسي في سباق المئة متر وهي في عمر 15 سنة وشهر واحد، كما فازت بست ذهبيات في ألعاب الكومنولث. العام 1962 باتت أول سباحة نزلت عن حاجز الدقيقة في المئة متر حرة. اختيرت العام 1988 عضواً ضمن برلمان نيو ساوث ويلز حيث ظلت حتى العام 1991.
المعجزة الأولمبية
لاريسا لاتينينا (1934-...)
معجزة وأسطورة الرياضة الاولمبية والعالمية عموماً. خطت في إنجازاتها في رياضة الجمباز تاريخاً رائعاً وحافلاً قل مثيله بل انعدم كلياً إذ جمعت غلّة أولمبية وصلت إلى 18 ميدالية ملونة نالتها في دورات 1956 في ملبورن و1960 في روما و1964 بينها تسع ذهبيات وهي واحدة من أربعة رياضيين فقط حققوا هذا الكم و كما انها الوحيدة التي نجحت في مسابقات فردية في الفوز بـ14 ميدالية بالإضافة إلى أنها واحدة من بين 3 لاعبات فقط فازت بنفس المسابقة لثلاث دورات متتالية. دربت المنتخب السوفياتي بعد الاعتزال بين 1967 و1977.
ترتيب الميداليات
عادت الولايات المتحدة للصدارة مجددا بعد فقدانها لدورتين برصيد (36 و26 و28) أمام الاتحاد السوفياتي الثاني 30 و31 و35) واليابان الثالثة (16 و5 و8) وألمانيا الموحدة (10 و22 و18) وإيطاليا (10 و10 و7).