فرنسا 2017: متى ستتخلص يد تونس من "عقدة الخواتيم"؟
عقب هزيمة أمام مقدونيا عسر هضمها في خضم سيناريو لطالما تكرّر لسواعد قرطاج في المحفل المونديالي، عاد الجمهور التونسي ليسأل السؤال الكلاسيكي: "متى نتخلّص من عقدة اللحظات الأخيرة؟".
باسم السالمي
دخل التونسيون بطولة العالم لكرة اليد في نسختها الفرنسية بطموح كبير في تقديم وجه جيّد بعد سابق غير مرضي على أرض الدوحة، شُفع بالمركز الخامس عشر.. تفاؤل كان له ما يبرّره لا سيما أنّ نخبة المدرب الوطني حافظ الزوابي، حققت إنجازاً تاريخياً بالوصول إلى أولمبياد ريو 2016 من خلال الملحق وهو ما كان "يستحيل" سابقاً.
دون التوقف كثيراً عند المستوى المخيّب في ألعاب ريو، والذي أنتج 5 هزائم وتعادلاً يتيماً في مجموعة ضمّت عمالقة على غرار فرنسا، بطلة العالم، والدنمارك وكرواتيا إلى جانب منتخبي قطر، وصيف بطل العالم، والأرجنتين.. عاد المنتخب التونسي ليرتّب بيته مستعيناً بحالة من "الصفاء الداخلي" وسط المجموعة، ساعد على ترسيخها المدرب الذي أسهم بشكل رئيسي في فرض الانضباط و"تنظيف" الشوائب التي طالما عكّرت معسكرات "النسور".
هذه النقطة الإيجابية الأخيرة، كانت مرتكزاً لتفاؤل التونسيين بتقديم عروض مميّزة في المجموعة الثانية خاصة أنّ الانطباع المبدئي كان يميل إلى أنّ منافسين في حجم سلوفينيا وأيسلندا ومقدونيا وأنغولا، هم في الحقيقة، لا يفوتون منتخب تونس في شيء، باستثناء إسبانيا بطلة العالم عامي 2005 و2013 التي ستظلّ مرشحة بقوة لـ"دهس" الجميع.
لازاروف يدخل "أحفاد حنبعل" في متاهة
كان مطلب الفوز على مقدونيا ضرورياً جداً للتونسيين لعدة أسباب، أهمها أنّ الأول هو أقرب المنتخبات التي يمكن اعتبارها في متناول زملاء وائل جلّوز، بعد السفير الأفريقي الآخر أنغولا، أي في المجمل كانت خارطة طريق المنتخب تشير إلى تجاوز مقدونيا مع اعتبار الفوز على أنغولا من تحصيل الحاصل، وهو ما يعني حصد 4 نقاط تكون كافية إلى حد كبير لضمان العبور إلى الدور الثاني، دون الدخول في متاهة الصراع مع المنافسين العنيدين أيسلندا وسلوفينيا أو العملاق الإسباني.
هذه الحسابات المكتوبة على الورق، هي بالأساس مرتبطة بتفكير المنتخب التونسي والقائمين عليه، كونهم يعون جيداً مستوى إمكاناتهم وما تتوفّر عليه المجموعة من حلول، وبناء على هذا التمشي التحليلي الواقعي، يمكن توصيف العثرة الافتتاحية أمام المقدونيين (34-30) بأنها بوابة الدخول إلى "متاهة التكهنات والحسابات والحظ".
قد يذهب البعض إلى أنّ ما سبق التطرق إليه هو نظرة تشاؤمية مبالغ فيها خاصة وأننا بصدد المصافحة الأولى لتونس في بطولة العالم، وتبقت 4 مباريات كاملة يظلّ التدارك فيها وارداً.. قد يكون الأمر كذلك ولكنّ الأكيد أنّ ما تبقى من مواجهات – باستثناء أنغولا – لن تحمل في طياتها قدراً من اليسر كالذي كان في لقاء مقدونيا.
من جهة ثانية، لا نودّ الخوض في كل ما هو فنّي لأنّ الحديث في هذا الباب هو من اختصاص المدرب حافظ الزوابي فحسب، والذي سيكون المسؤول الأول أمام أفراد اتحاد اليد بعد انتهاء المونديال لـ"تفسير" قراراته سواء كانت إيجابية أو سلبية.
وفي منتهى التجرد، لا يمكن إنكار مقدار الحسرة التي تركته هذه الهزيمة في قلوب الجماهير، لا للسيناريو التي جاءت به فحسب ولا لحكميها الكوريين الذين أسهما بقسط مهم فيها، بل لتميز المدرب التونسي في قراءة وقائع المباراة إلى حدود دقيقتها الخمسين أمام واحد من أشهر مدربي اللعبة "الكرواتي الماكر" لينو تشيرفار، وأيضاً لتفنّن لاعبينا في تقديم عرض جميل تمّ تخريب ملامحه بـ 12 رصاصة سدّدها الساعد "المرعب" وزميل وائل جلّوز في صفوف برشلونة الإسباني، كيريل لازاروف.
تألق لازاروف (أفضل هداف في نسخة واحدة لبطولات العالم وكان ذلك في كرواتيا 2009 بـ92 هدفاً)، دفعنا لأن نستسمح العذر من المدرب لطرح سؤال واحد في سياق الخطط الفنية. لما لعبت تونس بخطة 6-0 ؟ والحال أنّ في خط الأمتار التسعة قاذفة صواريخ مقدونية اسمها كيريل لازاروف تقصف من كل زاوية وبلا رحمة، بل وسبق وأن جلد المرمى التونسي في مونديال قطر 2015 بـ 10 أهداف في مواجهة حسمتها مقدونيا (33-25) وأضاف 8 أهداف أخرى في الملحق التأهيلي للأولمبياد البرازيلي مع فشل منتخب بلاده في الترشح بالخسارة (32-26).
خيار خططي تكتيكي عجزنا عن فهمه إلى جانب أمر آخر يندر حصوله، وهو حضور الوقت المستقطع في الدقيقة 52 أي 8 دقائق قبل نهاية المباراة، وهو أمر غريب خاصة أن المواجهة شهدت تقارباً وتباعداً في النتيجة أكثر من مرة وكانت سيناريوهاتها متقلبة.
"الحضور الذهني" في قفص الاتهام
بالعودة إلى السقوط المر أمام مقدونيا، يأتي الدور على قطب الرحى الذي يدور حول سؤال كلاسيكي لطالما وقع تكراره. ما حكاية المنتخب مع الدقائق العشرة أو الخمسة الأخيرة أو خواتيم المواجهات عموماً. لما ينهار لاعبو المنتخب في لحظات؟
فقدان التركيز، قلة الخبرة، الانهيار البدني، انخفاض مستوى الإيمان بالحظوظ حتى النهاية.. كل ما فات لا يعدو أن يكون أعذاراً واهية لا توهم سوى من يتوقع وجودها فعلاً.. ولكن ما يلخّص هذا الوضع المعقد فقط، هو ما يمكن أن نقول عنه "ضعف الحضور الذهني" وهو أمر يصعب تحليله أيضاً، لا سيما ونحن أمام منتخب تملك عناصره من الخبرة في جرابها ما تملك، ويخوض أغلبهم منافسات عالم الاحتراف في أعلى مستوى، لذلك تبقى الإجابة عن هذا السؤال تائهة في فلك المجهول.
ولكن بغض النظر عن الإجابة الشافية، يبقى المنتخب التونسي مطالباً على جناح السرعة بمعالجة هذا الخلل الفادح في "ذهنية الفريق" التي كانت سبباً مباشراً في سلب أفضليته الراجحة بفارق 4 أهداف كاملة إلى حدود الدقائق العشرة الأخيرة تقريباً قبل أن ينقلب كل شيء على عقبه، ويصبح المقدونيون هم سادة المواجهة وبفارق مريح بلغ حتى 5 أهداف قبل أن يستقر على 4 مع صافرة الحكم الختامية.
هل ستحلّق النسور أم أنها نهاية المشوار؟
بعيداً عن مواجهة إسبانيا بعد ساعات، والتي لا يمكن أن نلقي باللوم فيها على زملاء الحارس مكرم الميساوي في حال حدوث أي نتيجة سلبية، يجب الإشارة إلى أنّ الأهمية القصوى تكمن في التركيز التام على مواجهتي الجولتين الثالثة والرابعة أمام أيسلندا وسلوفينيا، لأنّ مفتاح التأهل سيكون عبرها قبل الوصول إلى المحطة الختامية أمام أنغولا.
برغم النهاية الحزينة لمواجهة مقدونيا، إلا أنّ المنتخب برهن أنّ في صفوفه عناصر مميّزة ونقاط قوة عديدة لا بد من تثمينها واستثمار تألقها، مع ضرورة المعالجة الطارئة للجوانب الذهنية للمنتخب التي ستكون أساس أي نتيجة إيجابية أمام خصمين قادمين هما حتماً أكثر عسراً من مقدونيا.